Site icon IMLebanon

لبنان ليس حاجة ولا رسالة

 

لم يعد لبنان حاجة إيجابية للعالم ولم يعد تلك الرسالة التي تحدث عنها القديس يوحنا بولس الثاني، بل تحوّل بالنسبة إلى المجتمع الدولي وأشقائه العرب في الإقليم بؤرة يتفشى فيها الكثير من المشاكل الخطيرة، ما دفع هؤلاء إلى خيارين هدفهما واحد وهو منع تصدير هذه المشاكل إلى خارج حدود لبنان.

 

الخيار الأول اعتمده المجتمع الدولي وهو يقوم على مساعدة لبنان من خلال قروض ميسّرة طويلة الأمد تتيح لمن يعيشون فيه، من لبنانيين وغير لبنانيين ولا سيما سوريين وفلسطينيين، البقاء في هذا البلد لا سيما إذا توفرت لهم فرص العمل في مشاريع للبنى التحتية، وتتيح في شكل خاص للبنانيين أن يعيشوا في بلد تتوافر فيه أدنى مقومات الحياة الطبيعية من كهرباء وماء وطرقات واتصالات وغيرها، وأن يتمكنوا من تحسين وضعهم الاقتصادي فلا يزدادون فقراً وبطالة، ما يدفعهم إلى المزيد من الهجرة والخلافات على الموارد المتبقية في البلد والمال العام، لنهبه والانخراط أكثر فأكثر في خيارات خارجية قاتلة لا مصلحة للبنانيين فيها لأنها تسقط الدولة في يد أصحاب هذه الخيارات.

 

هذا الخيار كان اسمه مؤتمر “سيدر” منذ سنتين فاجتمعت من أجل لبنان عشرات الدول والجهات المانحة ووضعت خريطة طريق يفترض أن يسير لبنان بموجبها، كي يصل إلى شاطئ الأمان وخصصت له 11 مليار دولار.

 

منذ البداية تعاطى مسؤولون لبنانيون بكذب وخفة مع هذا الموضوع، وأسقط بعض من في السلطة وسيلة المساعدة هذه عندما عطلوا الشرط الأساسي لها، وهو الإصلاح ووقف هدر المال العام وعدم شلّ عجلة الحكم، لا بل أمعنوا ويمعنون في ارتكاب كل ما هو مخالف لخريطة الطريق هذه، ما جعل المجتمع الدولي يسحب يده من هذه المساعدة وترك لبنان لمصيره، فاندلعت ثورة 17 تشرين وبدل أن تكون حافزاً فعلياً لتغيير السياسات المعتمدة، أصبحت عند البعض شماعة يعلقون عليها المزيد من الفشل وأضافوا إليها المصارف ومصرف لبنان، محاولين تضليل الرأي العام بأنهم أبرياء من جريمة تدمير الوطن، وجميع قراراتهم المالية بالاقتراض وصرف المال العام اتخذت في مكانين لا ثالث لهما وهما الحكومة ومجلس النواب.

 

الخيار الثاني اعتمدته الدول العربية الخليجية التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان واللبنانيين وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، فهذه الدول يئست من التعاطي مع من كانت تعتقد بأنهم حلفاء لها في لبنان، فهم عجزوا عن تحقيق أي اختراق في السياسة وفي الاقتصاد على الساحة اللبنانية، بعضهم ذهب إلى الضفة الأخرى حيث خصوم هذه الدول وأعداؤها، وبعضهم وقف متفرجاً وقد عجز هذا وذاك عن فرض ولو موقف مستنكر يصدر عن الحكومة ككل، تجاه اعتداءات تعرضت لها هذه الدول ولا سيما السعودية، وهو موقف لا يرقى إلى الحد الأدنى من ردّ الجميل لما قام به هؤلاء تجاه لبنان.

 

هذه الدول العربية لم يعد لبنان بالنسبة اليها موجوداً على خريطة اهتماماتها في أي مجال من المجالات، ولم تعد مستعدة لصرف ليرة واحدة حتى في أصعب الظروف التي يمر بها هذا البلد وأهله، فأين هي هذه الدول اليوم من أزمة مساعدة لبنان في مواجهة تفشي فيروس كورونا وما تركه من تداعيات معيشية واجتماعية؟

 

لبنان اليوم في مهب الريح، لا عرب ولا مجتمع دولي ولو بقينا نناشدهم ليل نهار، فمجموعة الدعم الدولية يئست من التعاطي مع مسؤولين امتهنوا الخداع والمواربة وإطلاق الوعود الكاذبة.

 

وصل لبنان إلى الحائط المسدود لا خيارات متاحة أمامه حتى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، فهو تأخر وما زال موضع تجاذب تحت عناوين أقل ما يقال فيها أنها واهية ومضيعة للوقت، لأن كل البدائل التي يتحدثون عنها وفي مقدمها الإصلاح الداخلي سقطت وستسقط، والأهم هل أن صندوق النقد ما زال راغباً بالفعل في مساعدة لبنان؟

 

أزمة لبنان طويلة ومعقدة وفي أساسها طبقة سياسية ترفض أن تتغير، ويرفض جزء من الناس تغييرها ولو ماتوا جوعاً غير مدركين للقول: “مين جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب”.