Site icon IMLebanon

“الأثر الأخدودي” السياسي للإغتيال

 

تحدث قرار المحكمة الدولية عن “الأثر الأخدودي” لانفجار 14 شباط 2005، جراء انعكاسات ضغطه وعصفه من جدران الأبنية المحيطة، لشرح أسباب سقوط الكثير من الضحايا والدمار، فيما المستهدف من ورائه اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

 

الأخدود في المعجم هو الشق المستطيل والعميق في الأرض. الانفجار أحدث شقوقاً في كل ما أحاط به وفي الشوارع المحاذية والمباني من شدة عزمه بالمعنى الحرفي والتقني للكلمة. وإذا كان هذا التعبير التقني استخدم من قبل قضاة غرفة الدرجة الأولى للدلالة على الأضرار الكبيرة التي خلفها الانفجار الوحشي، فإن “الأخاديد” التي حفرتها الجريمة بالمعنى السياسي لا تعد ولا تحصى، وفق المطالعة السياسية التي تضمنها الحكم، في وصفه للدافع السياسي للجريمة، ولا سيما وقائع تصاعد خلاف الحريري المعروف مع النظام السوري وصدور القرار الدولي الرقم 1559 الذي يشمل الانسحاب السوري من لبنان ونزع سلاح الميليشيات المسلحة ومن ضمنها “حزب الله”. كما أن نص الحكم كوثيقة قانونية دولية توسع في الحديث عن علاقة المتهمين الأربعة والمدان الوحيد من بينهم سليم عياش، بـ”حزب الله”، على رغم تأكيد الحكم أنه لم يجد أدلة على تورط سوريا و”الحزب” بالجريمة. وأدلة كهذه تفترض الحصول على معلومات، لم تتوافر للتحقيق الدولي والمدعي العام، حول تسلسل الإمرة بين المتهمين والمدان من بينهم، وبين القيادة في سوريا والقيادة في “حزب الله”، لجهة اتخاذ قرار الاغتيال.

 

أصلاً قضت التسوية التي تم التوصل إليها في مجلس الأمن عند التصويت على القرار الدولي 1757 لإنشاء المحكمة بأكثرية 9 أصوات، وامتناع ست دول عن التصويت، الأخذ باشتراط روسيا ألا تشمل المحاكمة رؤساء دول وأحزاباً وجمعيات، كي تقبل بتمريره ولا تستخدم الفيتو ضده. فموسكو لم تكن متحمسة للمحكمة، وحين اضطرت لمراعاة الإصرار عليها من قبل دول عربية رئيسة مثل السعودية ومصر، سعت إلى التخفيف من الآثار السياسية الإقليمية لما يمكن أن تتوصل إليه.

 

ومع ذلك فإن سرد الحكم للوقائع السياسية تحت عنوان “الخلفية التاريخية السياسية” لم يترك مجالاً للشك حول تحديد الهوية السياسية للجهات التي اتخذت القرار بالجريمة، مع إشارة نص الحكم إلى معرفة هذه الجهات عند اتخاذها قرارها، بأنها احتسبت أن “المنافع من الاغتيال أكثر من الأضرار”، وأن للجريمة ارتدادات لبنانية داخلية وإقليمية كبرى.

 

ما زال لبنان والمنطقة يعيشان “الأثر الأخدودي” للجريمة على الصعيد السياسي. فارتداداتها العميقة فعلت فعلها في الإقليم وفي البلد وأعقبتها الشقوق الطويلة والعميقة في الجسم اللبناني. والنهج الذي قتل رفيق الحريري ما زال يسعى إلى صنع الوقائع السياسية بالوسائل العنفية ذاتها في أكثر من دولة، والعقل الذي أزاح شخصية بأهميته وبرمزيته، يغرز السكين على مساحات الدول لمحاولة تغيير الجغرافيا السياسية بالدماء وتهجير الملايين من البشر وهدم ما يستحيل إعادة بنائه خلال عقود ولا يأبه لانهيار لبنان.

 

اعتبر بعض بيئة “حزب الله” أن هناك تبرئة قانونية له من جهة وأن هناك اتهاماً سياسياً من جهة ثانية. كأن المحكمة تدرك أنه يجب إعطاء فرصة للبلد المنكوب أن يتنفس، وتتيح لسعد الحريري أن يدعو “حزب الله” إلى التضحية وتقديم التنازلات بعد اليوم. تجارب السنوات الماضية لا تدل إلى توجه كهذا لدى رعاته، حتى لو تظاهر بالليونة.