IMLebanon

صندوق النقد الدولي في باريس 4: وصفة «الطبيب» المتشائم

 

ترجمة: فيفيان عقيقي

 

«إن تطبيق برنامج الاستثمارات العامة دون تغيير السياسات المعتمدة، من شأنه أن يحقّق نمواً محدوداً ويزيد مساوئ مسار الدين العام». هذه هي الخلاصة التي قدمها صندوق النقد الدولي في مؤتمر باريس 4. فيما يلي الترجمة غير الرسمية للبيان الذي أعدّه خبراء الصندوق ورفعوه إلى المشاركين في المؤتمر، وهو يعدّ استكمالاً للبيان الختامي الصادر عن بعثة «المادة الرابعة» في 12 شباط 2018.

 

1.6 مليار دولار

هي القيمة السنوية التي تطمح الحكومة اللبنانية الحصول عليها طوال العقد المقبل من خلال القروض الميسّرة والشراكات مع القطاع الخاص

 

يواجه لبنان نمواً اقتصادياً منخفضاً، وعجزاً مزدوجاً، ودينا عاماً وخارجياً مرتفعاً. يُقدّر النمو الاقتصادي لعامي 2017 و2018 بنحو 1-1.5%. ما زالت محرّكات النمو الأساسية في لبنان، أي السياحة والعقارات والبناء، بطيئة، ومن غير المتوقّع أن تشهد انتعاشاً في وقت قريب. في حين، يسجّل رصيد الميزانية الأولي عام 2017، فائضاً بنسبة 2.2% من إجمالي الناتج المحلي، نتيجة عوامل استثنائية. ويبلغ عجز الميزانية 7.5% من إجمالي الناتج المحلي، ويبلغ الدين العام نحو 150% من الناتج. ويسجّل الحساب الجاري عجزاً بنسبة 24% من الناتج المحلي الإجمالي. أيضاً، واصلت صادرات السلع انخفاضها نسبة الى إجمالي الناتج كنتيجة لاستمرار الصراع في سوريا، فيما بقيت حصّة الواردات مرتفعة، بسبب الائتمان المدعوم الذي توفّره برامج إقراض عدّة يقدّمها مصرف لبنان، وارتفاع أسعار النفط، والمغالاة في تقدير سعر الصرف الحقيقي الفعلي. ويضاف إلى ذلك، تراجع تدفقات الودائع الأجنبية خلال السنوات الأخيرة، والتي تُعدّ مصدراً رئيساً لتمويل عجز الحساب الجاري وعجز الميزانية الكبيرين.

حقّقت الإجراءات الأخيرة إنجازات مهمّة، لكن بعضها تحقّق لقاء دفع فاتورة عالية. في تشرين الأول 2017، أقرّ البرلمان اللبناني الميزانية الأولى بعد انقطاع 12 عاماً، ما عبّد الطريق لإضفاء تحسينات على إدارة المالية العامة. وفي صيف 2017 أيضاً، أقرّ مجلس النواب زيادة رواتب موظفي القطاع العام، والتي تقدّر البعثة تمويلها بالكامل من خلال الإجراءات التي أقرّت في خريف 2017. ونجح مصرف لبنان في الحفاظ على القيمة الاسمية للعملة، وسياسة ربط سعر الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، بعدما أعاد بسرعة الاستقرار إلى القطاع المالي في أعقاب الاستقالة المؤقتة لرئيس الحكومة سعد الحريري في تشرين الثاني 2017.

 

لقد لجأ مصرف لبنان إلى عمليات مالية غير اعتيادية لتعزيز احتياطاته الإجمالية ورأس المال المصارف، وتجنّب رفع أسعار الفائدة. إلّا أن الكلفة المترتبة على هذه العمليات أتت على حساب تراجع الميزانية العامة لمصرف لبنان ومستوى صافي العملات الأجنبية لديه.

يستمرّ لبنان باستضافة مليون لاجئ سوري مسجّل (ما يعادل ربع عدد السكان). يقدّم لبنان خدمة عامة دولية في ظل ظروف صعبة، بحيث أن اقتصاده أُضعِف بسبب الأزمة السورية، وبغض النظر عن تأثير اللاجئين الوافدين إليه. إلى ذلك، لا تغطّي المساعدات الدولية سوى جزء من كلفة استضافة اللاجئين، في حين أن الطلب المتزايد على الخدمات الحكومية يفاقم النفقات المالية. كما أن وجود اللاجئين يُجهد البنية التحتية العامة اللبنانية، ويؤدي إلى انخفاض جودة الخدمات المقدّمة للمستهلكين اللبنانيين الحاليين، ويُثقل كاهل المجتمعات المحلية، ويغذي التوترات الاجتماعية.

 

التوقعّات والمخاطر

لبنان: سيناريوهات بديلة 2016-2023

 

من المتوقّع أن يبقى الأداء الاقتصادي والتدفقات المالية ضعيفين، في ظل السيناريو الأساسي، والقائم على سياسات غير متغيّرة. تتوقّع البعثة أن لا تتغيّر تأثيرات الصراع السوري على لبنان، خلال السنوات الخمس المقبلة. وبما أن النمو كان منخفضاً خلال السنوات السبع الأخيرة، من المتوقّع أن تشكّل العوامل الهيكلية عائقاً أمام أي نمو محتمل. ووفق السيناريو الأساسي، تقدّر البعثة أن يرتفع معدّل النمو إلى ما يقارب الـ3% على المدى المتوسط، وأن يتحسّن الطلب الخارجي كنتيجة للتعافي الاقتصادي العالمي. وبحلول عام 2019، من المتوقّع أن ينخفض معدّل التضخّم إلى نحو 2.5%. في حين، سيبقى عجز الميزان الجاري كبيراً، وسيتدهور مستوى كفاية احتياطي لبنان بالعملات الأجنبية على المدى المتوسط.

إن التوقعات الموضوعة للبنان مرتبطة بشكل كبير بتطوّر الأحداث في سوريا. ففي حال التوصّل إلى حلّ قريب، قد يكون لبنان في وضع ملائم للاستفادة من عملية إعادة الإعمار، وعودة الحركة التجارية، وتحسّن ثقة المستثمرين في المنطقة. وسيكون لذلك آثار إيجابية مهمّة على الدخل المحلي، والنمو، وتوازن الحساب الجاري، ولو أن ذلك ليس كافياً لاستعادة القدرة على تحمّل الديون.

سيستمرّ العجز الكبير في الحساب الجاري في حال عدم تعديل سعر الصرف

 

في المقابل، قد تؤدي التوترات في المنطقة إلى تصعيد الصراعات وإثارة الحوادث الأمنية، التي قد يكون لها تأثير أساسي على الاستقرار الاقتصادي في لبنان، مع توقّف تدفقات الودائع وارتفاع الدولرة. إن رغبة المودعين في تمويل لبنان لا يمكن اعتبارها أمراً مفروغاً منه، خصوصاً في ظل احتمال تفاقم حدّة الأوضاع المالية إقليمياً وعالمياً.

 

سياسات لدعم استدامة الاقتصاد الكلي

يحتاج لبنان إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على الثقة ودعم استقرار الاقتصاد الكلي. يمكن لأجندة إصلاحية تركّز على ثلاثة مجالات، أن تحسّن التوقعات الاقتصادية للبلاد.

أولاً، تحتاج السياسة المالية إلى خطة فوريّة ترتكز إلى خطة تدعيم تؤدي إلى تثبيت مستويات الدين تمهيداً لتخفيضه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

ثانياً احتواء المخاطر التي تهدّد الاستقرار المالي، وتتضمّن تحفيز المصارف على تقوية احتياطاتها.

ثالثاً، يمكن للإصلاحات الهيكلية، بما فيها إصلاح قطاع الكهرباء والتصدي للفساد والحوكمة، أن تعزّز النمو المستدام والتنافسية.

ديون لبنان غير مستدامة بحسب السيناريو الأساسي. هناك حاجة لتحقيق فائض أولي بنحو 5% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، على المديين المتوسط والطويل، لتأمين استقرار الدين العام نسبة إلى الناتج المحلي، ووضعه تدريجاً في مسار هبوطي. ومن الإجراءات التي تحقّق ذلك:

1- زيادة معدلات ضريبة القيمة المضافة، إلغاء الإعفاءات والتخفيضات، وتحسين الامتثال.

2- إعادة الضرائب المفروضة على المواد الملتهبة والفيول إلى معدلات ما قبل عام 2012.

3- وقف دعم الكهرباء تدريجياً.

 

بالأرقام

24% هي نسبة عجز الحساب الجاري من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017

 

7.5% هي نسبة عجز الميزانية من إجمالي الناتج المحلي لعام 2017

 

لقد تم اعتماد تعديل مالي مستدام بهذا الحجم في عدد قليل من الدول. ومن المتوقّع أن يستمرّ العجز الكبير في الحساب الجاري، حتى بعد التعديل المالي، في حال عدم تعديل سعر الصرف، وعدم حصول تطورات خارجية مؤاتية.

يجب أن يعتمد مصرف لبنان على سياسة سعر الفائدة التقليدية بدلاً من العمليات المالية، وتشجيع المصارف على تعزيز موجوداتها تدريجاً. حقّقت العمليات المالية (المقصود الهندسات المالية وإجراءات الدعم)، التي نفّذها مصرف لبنان، أهدافاً مهمّة، ولكنها زادت المخاطر على النظام (التعرّض السيادي، معدلات الفائدة ومخاطر السيولة، الدولرة). بدلاً من ذلك، ينبغي على مصرف لبنان زيادة معدلات الفائدة، إذا كانت هناك حاجة لتأمين تدفقات أعلى بالعملات الأجنبية. كما يجب الاستمرار في زيادة موجودات النظام المصرفي، من خلال مواءمة حجم المخاطر السيادية مع اتفاقية بازل، وتشجيع المصارف على الانخراط في التخطيط الرأسمالي تدريجاً، بما يتماشي مع بيانات المخاطر الخاصة بها. كما يجب على السلطات أن تعزّز إدارة الأزمات وأطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

 

الإصلاحات الهيكلية

حُدّد قطاع الكهرباء بكونه أكثر القطاعات الضاغطة والمعيقة في لبنان، إذ يشكّل مصدراً كبيراً لاستنزاف الميزانية. يجب على الحكومة زيادة الاستثمار في قطاع الكهرباء، ما يؤدي إلى زيادة الإمداد بالطاقة وتقليل الحاجة إلى المولدات الخاصة الباهظة الثمن، كما يجب زيادة تعرفة الكهرباء تدريجاً لوقف الدعم الممنوح إلى مؤسسة كهرباء لبنان.

من جهة أخرى، تدرك الحكومة بأن الفساد متفشٍّ، ورداً على ذلك، تعمل على وضع استراتيجية لمكافحة الفساد. أيضاً، إن تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز الحوكمة في إدارة الإيرادات، وتعزيز الامتثال الضريبي/الجمركي والشفافية في المؤسسات العامة، قد يكون لها تأثير كبير على الثقة وتطوير الإدارة.

 

برنامج الاستثمارات العامة

تطلق الحكومة برنامجاً ضخماً للاستثمارات العامة، بهدف تحفيز النمو الاقتصادي، وإفادة اللاجئين والمجتمعات المضيفة. تهدف الخطة إلى الحصول على 1.6 مليار دولار (3.2% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي)، سنوياً، طوال العقد المقبل، عبر الاستفادة من تسهيلات التمويل الميسّر للبنك الدولي والشراكة بين القطاعين العام والخاص، فضلاً عن اعتماد آليات أخرى تؤمّن الحصول على منح أو قروض ميسّرة طويلة الأجل. وتأمل السلطات أن يساعدها ذلك في التصدّي لمشكلة النمو المتدني في لبنان، وخلق فرص عمل للاجئين والمجتمعات المضيفة، فضلاً عن تخفيف مشكلات البنية التحتية المزمنة والتي أصبحت أكثر حدّة بعد التدفق الكبير للاجئين.

إن تطبيق برنامج الاستثمارات العامة دون تغيير السياسات المعتمدة، من شأنه أن يحقّق نمواً محدوداً، في مقابل زيادة مساوئ مسار الدين العام. نظراً إلى قدرة لبنان المحدودة على إدارة مشاريع استثمارية عامة كبرى، من المتوقّع أن يحقّق برنامج الاستثمارات العامة نمواً محدوداً في الإيرادات، يتجاوز التغيّر المؤقت في المردود/ الإنتاجية الناجم عن الإنفاق العام الإضافي. ويعود ذلك إلى عدم كفاءة الإنفاق الاستثماري نفسه، والقدرة المحدودة للاقتصاد على ترجمة نتائج ضخّ هذه الموارد الرأسمالية العالية وتحويلها إلى ناتج/مردود إضافي.

إن برنامج الاستثمارات العامة سيزيد الدين العام نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف، مقارنة مع السيناريو الأساسي (الرسم البياني والجدول).

إذا أدرج برنامج الاستثمارات العامّة ضمن إطار برنامج أوسع يتضمّن تعديلاً/تكيفاً مالياً وإصلاحات هيكلية، فقد يؤدّي إلى نتائج أفضل. إن تنفيذ سلة من السياسات التي تتضمّن، تعديلاً مالياً يصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وإصلاحات هيكلية في قطاع الكهرباء والحكومة، بالتوازي مع تنفيذ برنامج الاستثمارات العامة، قد يحقّق نمواً أعلى ويخلق فرص عمل أكبر، وبكلفة منطقية تتماشى مع الزيادة الطفيفة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحسب سيناريو التعديل (الجدول).

إن تأثيرات النمو الإيجابية في السنوات الأولى لتنفيذ برنامج الاستثمارات العامة، قد تعوّض جزئياً التأثيرات السلبية على النمو الناشئة من التعديل المالي. في حين أن التعديل المالي والهيكلي قد يحقّقان زيادة مستدامة في النمو. كما أن هذه السياسات قد تؤدي أيضاً إلى تثبيت مستوى الدين العام نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ووضعه على مسار هبوطي.

 

رغبة المودعين في تمويل لبنان لا يمكن اعتبارها أمراً مفروغاً منه

 

إن تنفيذ برنامج الاستثمارات العامة بعد تحسين إدارة الاستثمارات العامة من شأنه أن يحقّق نمواً أعلى، وهو ما ينعكس في سيناريو التعديل. إن جودة إدارة الاستثمارات العامة تحدث فرقاً كبيراً على تأثير الاستثمار على النمو. كما أن التقييم والإصلاح السريع لقدرة إدارة الاستثمار العام، قبل البدء بتنفيذ برنامج الاستثمارات العامة، هو أمر مهم، إذا كان الهدف هو الحصول على الفوائد الكامنة في البرنامج بكاملها. وفي هذا الإطار، طلبت السلطات إجراء تقييم لإدارة الاستثمار العام سيطلقه صندوق النقد الدولي في أواخر ربيع وبداية صيف 2018. بحيث يمكن أن يشكّل التقييم، قاعدة للإصلاحات في إدارة الاستثمارات العامة، قبل الشروع بأي استثمار عام. كما يجب على الحكومة أن تكون حذرة وتدريجية في تطبيق الشراكات مع القطاع الخاص، وذلك للتأكّد من قدرتها على جذب التمويل الخاص، بالتوازي مع تقليل المخاطر المالية الناجمة عن الالتزامات الطارئة.