Site icon IMLebanon

الموقف الدولي من الرئاسة

ما صحة الكلام عن تبدُّل في الموقف الدولي حيال الانتخابات الرئاسية في لبنان من مرحلة التمني إلى ممارسة الضغط لانتخاب رئيس جديد؟ وما الذي استجد من تطورات ليبدِّل المجتمع الدولي في سلوكه؟ وهل عاد لبنان أولوية دولية بعدما كان منذ أسابيع عدة في آخر قائمة اهتمامات المجتمع الدولي؟

لا يخرج الموقف الدولي الداعي إلى انتخابات رئاسية فورية عن سياق أطنان المواقف الدولية التي تتحدث في كل مناسبة عن سيادة لبنان واستقلاله، ما يجعلها مواقف غير قابلة للصرف باستثناء حقبة الرئيس جورج بوش التي هددت ونفذت بعد أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١ وكان محور الممانعة يحسب لها ألف حساب، فيما باستثناء تلك الحقبة كان الموقف الدولي منذ العام ١٩٧٥ أكبر نصير لمحور الممانعة وتحديداً للنظام السوري على حساب لبنان.

وعلى رغم ذلك تتمسّك معظم القوى السياسية بالشرعية الدولية التي من دونها يصبح لبنان معزولاً عن العالم، ويفقد أيّ أمل باستعادة حضوره في يوم من الأيام على المسرح الدولي، إذ لا قيمة للبنان خارج الشرعيات الثلاث اللبنانية والعربية والدولية، والقوى السيادية تأمل ان ينتقل المجتمعان العربي والدولي من مرتبة الأقوال إلى الأفعال التي تعيد للدولة وجودها ودورها واعتبارها.

وبمعزل عن الأسباب التي تجعل المجتمع الدولي ينأى بنفسه عن لبنان، أكانت لأسباب داخلية أو أولويات أخرى، إلّا انّ الوقائع تؤكد انه يعمل على طريقة رد الفعل لا الفعل، فيتحرك عندما يلمس وجود مؤشرات يمكن أن تدفع في هذا الاتجاه أو ذاك من دون ان يتخلى عن موقفه الثابت الداعم للاستقرار، وهذا تحديداً ما حصل مع المبادرة الرئاسية التي تلقفها من أجل أن يدفع بالاستحقاق الرئاسي قدماً، ولكنها لم تولد في كنفه ولا بمسعى منه.

ولا حاجة إلى التذكير بأنّ أولوية المجتمع الدولي اليوم الحفاظ على الاستقرار اللبناني بأيّ طريقة، وهو غير معني بهوية الرئيس العتيد وسياساته، إنما كل همه ألّا تتوسّع رقعة الحروب في المنطقة وما قد تفرضه من مخاطر وتحديات في ظل حرصه على حصرها في سوريا واستطراداً العراق واليمن، وبالتالي طالما انّ اللبنانيين يعملون على إدارة خلافاتهم، فلا بأس من استمرار الوضع الحالي بانتظار جلاء الصورة الكبرى في المنطقة.

ولا حاجة إلى التذكير أيضاً بأنّ الرئيس تمام سلام كان قد عبّر عن حزنه الشديد بعد عودته من مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك لجهة انّ القضية اللبنانية غير مدرجة ضمن الاهتمامات الدولية، وبالتالي ماذا عدا ممّا بَدا ليعاد هذا الاهتمام فجأة من باب الانتخابات الرئاسية وبعد أكثر من ١٨ شهراً على الفراغ الرئاسي؟

فلا مؤشرات إلى انهيار أمني وشيك، ولا إلى انهيار نقدي، كما لا معطيات تفيد بضرورة تحصين الوضع اللبناني قبل الانتقال إلى المرحلة الانتقالية في سوريا، بل جلّ ما حصل بأنّ المجتمع الدولي التقط وجود «فرصة» رئاسية، معتقداً انّ نجاحها يؤدي إلى ترسيخ الاستقرار السياسي الذي ينعكس إيجاباً على مختلف النواحي الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في البلد، فقرّر دعمها وتزخيمها والسير بها، ولكنه ليس مستعداً الذهاب أبعد من ذلك، بمعنى ممارسة الضغط الجدي لإتمام هذا الاستحقاق، فإذا فعلت مساهمته فعلها كان به، وإذا لم تفعل ينتظر مناسبة أخرى، فهو ليس مستعجلاً من أمره، ولا يعتبر الانتخابات الرئاسية أولوية ما بعدها أولوية.

وفي هذا السياق برز ترويج مزدوج مسيء إلى لبنان واللبنانيين: الترويج الأول بأنّ عدم التقاط المبادرة الرئاسية الأخيرة يُدخل لبنان في المجهول، فيما لا مؤشرات إلى ذلك في ظل الحوار بين «حزب الله» و»المستقبل» وحرصهما على تجنيب لبنان الفتنة السنية-الشيعية.

فالأمن هو وليد قرار بالدرجة الأولى، وهذا القرار موجود لدى البيئتين السنية والشيعية وخلفهما السعودية وإيران. وبالتالي، لا خشية على هذا المستوى، فيما الحياة السياسية يمكن ان تتعطل في ظل وجود رئيس للجمهورية، وأكثر من تجربة تدلّ على ذلك، ولكن من دون التقليل من أهمية وجود رئيس لانتظام الحياة الدستورية، إنما ليس بأيّ ثمن، أي من خلال الرضوخ لترهيب فريق من اللبنانيين على قاعدة إمّا انتخاب هذا الشخص أو الفراغ، أو انتخاب ذاك الشخص أو الفوضى.

وأمّا الترويج الآخر المسيء فهو انّ المجتمع الدولي ذكّى ترشيح هذا المرشح أو ذاك وما على اللبنانيين سوى الانصياع لرغبته وإرادته، ما يدلّ عن قصور ورغبة إرادية بالوصاية الخارجية، كما تعويد الرأي العام على الخضوع للقرار الخارجي وإملاءاته، فيما لا أحد في العالم أدرى بمصلحة بلد من أهله، وقد يكون أفضل تعبير عن هذا التوجّه ما أورده نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان بقوله: «كقوات لبنانية لا نتأثّر بالضغط الخارجي تجاه اي استحقاق، لأننا الادرى بمصلحة بلدنا اكثر من اي دولة خارجية»، واشار الى اننا «حريصون على إنهاء الفراغ الرئاسي، لكننا غير معنيين بأي «رأي» خارجي حول الاستحقاق واسماء المرشحّين».

فالمجتمع الدولي إذاً ليس في موقع الباحث عن حلول أو الساعي لتسويات رئاسية وغيرها في لبنان، لأنّ أولويته في مكان آخر، ولكنه لن يتوانى عن دعم أي توجّه محلي يمكن أن يحدث خرقاً رئاسياً.

ولكن بالمحصّلة أظهرت الوقائع المتصلة بالتسوية الآتي:

أولاً، المجتمع الدولي لم يكن في أساس الفكرة، ولن يكون رأس حربة في حملها والدفاع عنها.

ثانياً، الرياض وطهران لم يبحثا الملف اللبناني مباشرة ولا مواربة.

ثالثاً، «حزب الله» أكد أنّ «العماد ميشال عون هو مرشح فريق 8 آذار أولاً»، هذا الفريق الذي «يلتزم بالنزول موحّداً كفريق سياسي الى أيّ جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية».

رابعاً، العماد عون ليس في وارد التراجع عن ترشيحه.

خامساً، النظام السوري ضد تسهيل عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان من بوابة رئاسة الحكومة ولَو على حساب وصول حليفه إلى رئاسة الجمهورية.

سادساً، «القوات» و«الكتائب» و«الأحرار» ومروحة واسعة من المستقلّين في 14 آذار ضد المبادرة.

سابعاً، الكنيسة غير متحمّسة لكل ما يزيد الشرخ بين المسيحيين.

ثامناً، الشارع السني غير متحمس لوصول شخصية على نقيض تموضعه وثوابته وأهدافه.

وإزاء ما تقدم هل يمكن الحديث بعد عن مبادرة شكّلت رقماً قياسياً بالقوى التي تقاطعت وتكتلت ضدها؟