حدّد مسار الجلسة الأولى لمجلس الوزراء معالم المرحلة المقبلة ومعادلات التموضع داخل الحكومة الجديدة، والتي لم تختلف بشكل عام عن المعادلات التي سادت في حكومة الوفاق الوطني السابقة، حيث أن أركان التسوية السياسية لم يبدّلوا تحالفاتهم، على الرغم من المواجهة الأخيرة حول المقعد النيابي السنّي في طرابلس، والتي تخفي في طياتها صراعاً حول الصلاحيات على مستوى الرئاستين الأولى والثالثة. ووفق مصادر نيابية وسطية، فإن النقاشات التي سُجّلت خلال الجلسة الحكومية الأولى قد وضعت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في موقع المسؤولية بالدرجة الأولى عن وضع ضوابط لأي توتّر سياسي قد يهدّد انطلاقة الحكومة، وبالتالي، فإن قراءة مواقف رئيس الجمهورية من زاوية الصراع أو الخلاف حول الصلاحيات، لا تنطبق على الواقع الداخلي في مجلس الوزراء. وأوضحت أن الأولوية لدى الرئاستين الأولى والثالثة هي واحدة، والعلاقة بينهما لم تخرج عن إطار التسوية التي قامت منذ الإنتخابات الرئاسية، لكنها كشفت أن قواعد اللعبة السياسية قد تغيّرت مع بداية المرحلة الجديدة بعد ولادة حكومة «إلى العمل».
ولذا، فإن هذه القواعد، كما أضافت المصادر النيابية، قد تكرّست خلال المفاوضات والمناكفات التي سُجّلت خلال الأشهر التسعة التي استغرقتها عملية تشكيل الحكومة، حيث سُجّلت سجالات وحملات عديدة حول الصلاحيات، وإنما من دون أن تؤدي إلى زعزعة هذه التسوية، والتي أصبحت متينة أكثر من السابق. ومن هنا، فإن مسار الجلسة الحكومية، وإن بدا من حيث الشكل متشنّجاً على مستوى العلاقة ما بين رئيس الجمهورية الذي تسلّم زمام المبادرة ووضع حداً للسجالات ورئيس الحكومة الذي عبّر بصمته عن موقفه، لا يعكس بالضرورة التوجّهات الفعلية لدى الطرفين، كما كشفت المصادر النيابية نفسها، التي أكدت أن رئيس الجمهورية قد مارس صلاحياته التي منحه إياها الدستور، ومن أبرزها حماية المصلحة العليا للبلاد، وذلك بعيداً عن أي تأويلات أو اجتهادات وزارية أو نيابية ازدحمت بها الساحة الداخلية في الساعات الـ 48 الماضية.
وبالتالي، فإن التسوية صامدة ومفاعيلها طويلة الأمد، بمعنى أنها تشمل الملفات الحيوية والاقتصادية، كما السياسية، وخصوصاً أن مجلس الوزراء يستعدّ لفتح ملف التعيينات الإدارية والعسكرية، والتي تفترض الحؤول دون خروج أي طرف سياسي عنها، كون الخروج عن معادلة التضامن الحكومي يعني بشكل عملي البقاء خارج ورشة التعيينات المقبلة، كما كشفت المصادر النيابية الوسطية ذاتها.
وفي هذا المجال، أوضحت أن كل فريق سياسي قد قال كلمته، وباتت كل الأوراق واضحة، فيما عمد رئيس الجمهورية إلى تصويب خارطة عمل مجلس الوزراء بعيداً عن المساجلات، حيث لوحظ على هذا الصعيد أيضاً تواصل مباشر بين الرئيسين عون والحريري، بعد جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، وقد بقيت مفاعيله غير واضحة، باستثناء ما تسرّب عن تسجيل تقاطع على تطبيق الدستور وعلى الالتزام بنصوصه.