عندما غزا نظام صدّام حسين الكويت، واحتلّها قبل ثلاثين سنة، كان الحكّام العرب ينقسمون على مستوى القمّة مثل انقسامات بعض بلدانهم وحكومات هذه البلدان اليوم، بعد مرور كل تلك الأعوام ومحنها.
ردّاً على الغزو، انعقدت مطلع آب 1990 قمّة عربية في القاهرة لبحث الموقف الذي يجب اتّخاذه. وفي فندق “سميراميس” كان سليم الحص، رئيس حكومة لبنان في حينه، سبّاقاً في إصدار بيانٍ يدين الغزو العراقي. وكان ذلك الموقف أمراً بديهياً في نظرنا كمواطنين لبنانيين، تعرّضوا لشتّى غزوات الأعداء الصهاينة والأشقاّء السوريين، ولذلك تولّينا كصحافيين في القمّة توزيعه بحماس ونشاط، ولعبنا دوراً في تحريض الوفود الإعلامية العربية، وغالبيتها وفود رسمية تضمّ الإعلامي الأمني والمخابراتي… على ان تحذوِ حذو لبنان، ورفض الغزو وإدانته وفرضِ انسحابه من الدولة العربية الشقيقة. لم نعتقد لحظة أنّ عربياً عاقلاً يُمكن أن يرفض مثل هذا التوجّه. قبل ذلك، كان النظام السوري اجتاح لبنان قبل أن تجتاحه اسرائيل، وأُعطي اجتياحه عناوين فضفاضة، مثل الدفاع عن المقاومة الفلسطينية وحفظ عروبته واستقلاله، ووقف الحرب الأهلية فيه. ووافقت الدول العربية على ما قام به حافظ الأسد، وساعدها في ذلك انقسامٌ لبناني مُريع، وكان ذلك بداية تخلٍّ من اللبنانيين عن مسؤوليتهم الوطنية، ومن المجموعة العربية عن دورها في حفظِ بلدانها والأسس التي قامت عليها الجامعة العربية. كان غزو الكويت عملاً أشدّ وقاحة من عملية “الردع” في لبنان، فتلك كانت المرة الأولى في التاريخ العربي الحديث تسمح دولة عربية لنفسها باحتلال بلد عربي آخر باسم تحقيق الوحدة… على طريق تحرير فلسطين (!)، وقبل شهور قليلة، في أيار من ذلك العام، كانت بغداد “حريصة” في القمّة العربية التي استضافتها، على إصدار موقف يُدين قرار الكونغرس اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل…( قبل تنفيذه على يد ترامب بثلاثين سنة)، الّا أنّ كل ذلك اللغو كان، ولا يزال، يجد أرضاً خصبة له في عالم قادة العرب المُمعِن في الشخصنة والحسابات الضيّقة والمُقفلة.
إنقسم القادة في قمة القاهرة بشكل حادّ. وبالرغم من إصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم 660 المُطالب بانسحاب العراق فوراً من الكويت، فإنّ بعض هؤلاء لم يجد ضرورة لتبنّي الدفاع عن استقلال بلدٍ عربي، وجاءت نتيجة التصويت على قرارٍ يطالب بالانسحاب الفوري ويتمسّك باستقلال وسيادة الكويت 12 دولة موافقة، و8 رافضة أو مُمتنعة عن التصويت! كانت تلك بحقّ كارثة في العمل العربي المشترك، سيدفع العراق ثمنها لاحقاً بعدما ألحق الدمار بالكويت وثرواتها… وعلى الأثر، تهاوت الأنظمة وشخصياتها في كثير من البلدان، واغتنمت القوى الإقليمية المُتربّصة فرصة الإنتقام وملء فراغ غياب القوة العربية المعنوية السياسية والأخلاقية، لتتحوّل دول المشرق وليبيا مسارح لاستعراض النفوذ التركي والإيراني والإسرائيلي. لقد عبرت الكويت المحنة، وتعلّمت المجموعة الخليجية الكثير من تجربة الغزو، ونشأت في العالم العربي قوى جديدة، تعي أنّ قوتها في استقلالها وتعاونها، وليس في جعل انقسام 1990 سياقاً لمواجهة التحدّيات، لا على مستوى الأمّة، ولا في أقطارها.