IMLebanon

التأثير الأكبر لاجتياح أوكرانيا على لبنان

 

إلى التأثير الاقتصادي للأزمة الروسية – الأوكرانية على لبنان، هناك خشية من تأثير سياسي جرّاء دور الدول الكبرى في البلد، وتبعية بعض الأفرقاء لدولة أو أخرى، وبالتالي من نتائج وقوف الأفرقاء أطرافاً في النزاع، وهذا ما تجلّى في الانقسام حيال بيان وزارة الخارجية، الذي عبّر عن موقف لبنان الرسمي المدين للاجتياح الروسي لأوكرانيا. لكن أبعد من ذلك، هل يتغيّر موقع لبنان ضمن أجندة المجتمع الدولي جرّاء انشغاله في الأزمة الروسية – الأوكرانية التي تطاول القارة الأوروبية كلّها وتنغمس فيها واشنطن؟ وهل يكون هذا الإنشغال منفذاً لمن ينتظرون باباً وحجةً لتطيير الانتخابات أو تأجيلها؟

يتأثر لبنان اقتصادياً بغالبية الأزمات والحروب الخارجية، مهما كانت بعيدة جغرافياً، انطلاقاً من أنّه يعتمد على الاستيراد وليس لديه اكتفاء ذاتي بمعظم السلع والمواد الحياتية الأساسية أو حتى أمن غذائي، بحيث يتأثر بارتفاع الاسعار عالمياً. وانطلاقاً من أنّ لبنان يعتمد لتأمين القمح على استيراد هذه المادة الأساسية من أوكرانيا وروسيا، يواجه الآن أزمة بعد الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية وما استتبعه من تداعيات، خصوصاً إذا لم يتمكّن من تأمين مصدر استيراد بديل، فضلاً عن انعكاس ارتفاع أسعار المحروقات عالمياً على اللبنانيين الذين يعانون أساساً الأمرّين جراء انهيار الليرة دراماتيكياً أمام الدولار. كذلك يتأثر البلد سياسياً وأمنياً، لأنّه من خلال موقعه على البحر المتوسط، باباً للشرق الأوسط والدول العربية وجاراً عدواً لاسرائيل، لطالما كان ساحة نفوذ أو نزاع لهذه الدولة العظمى أو تلك الكبرى. وبحسب جهات سياسية، لا شك في أنّ الأزمة الروسية – الاوكرانية ستكون لها تداعيات على منطقة الشرق الاوسط بكاملها وليس فقط على لبنان، حيث تتقاسم واشنطن وموسكو النفوذ، فضلاً عن الوجود الروسي في سوريا وحضورها في المنطقة. أمّا مدى التأثير وتفاصيله، فمرهون بتوضُّح معالم مصير اجتياح روسيا لأوكرانيا ونتيجة المفاوضات بين البلدين. وفي كلّ الحالات يجب على لبنان، بحسب هذه الجهات، اعتماد سياسة النأي بالنفس، وأن يحيّد نفسه عن النزاعات الكبرى، إذ إنّه الحلقة الأضعف وسيدفع ثمن دخوله في أي نزاع أو وقوفه طرفاً، خصوصاً أنّ وضعه الراهن متأزّم لدرجة أنّ أي انعكاس خارجي عليه قد يكون مدمّراً، مثل «جسد مريضٍ يدخله فيروس خارجي فيضربه بالعمق».

وإذ يستمرّ الأخذ والردّ حيال بيان «الخارجية» عن «إدانة لبنان اجتياح روسيا الأراضي الأوكرانية»، في ظلّ ترقُّب تداعياته على العلاقة مع موسكو، كان قد سارع بعض الأطراف الى «تبرئة ذمّته» من هذا البيان أمام الروس. والى تصريحات «حزب الله» وحلفائه المندّدة علناً بالبيان، اتصل رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بسفير روسيا لدى لبنان الكسندر روداكوف، وأبلغ إليه عدم رضاه عن البيان. وفي حين جرى تداول أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اطّلع على البيان قبل صدوره، وأنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي شارك في صوغه أو أدخل تعديلات إليه، وذلك بعد ضغوطات أميركية لاتخاذ هذا الموقف، لاذ الرجلان بالصمت. وتوضح مصادر قريبة من ميقاتي، أنّ «البيان أخذ صفة المبدئية، لأنّ لبنان ضدّ اعتداء أي دولة على أخرى، إنّما يجب عدم تحميله أكثر ممّا يحتمل»، مشيرةً الى «أنّه بات واضحاً أنّ البيان لن يؤثر وينعكس سلباً على العلاقة مع روسيا». أمّا عن عدم النأي بالنفس حيال الأزمة الروسية – الأوكرانية، تلفت هذه المصادر الى «أنّها ليست سابقة، وسبق أن أصدر لبنان بيانات ضدّ اعتداء دولة على أخرى، إذ إنّ هذه عملية مبدئية، كذلك كونه تعرّض لاعتداءات، فضلاً عن أنّ اجتياح أوكرانيا بات مسألة دولية». وعن دور ميقاتي في صوغ هذا البيان، تكتفي هذه المصادر بالإشارة الى أنّ «البيان صدر عن وزارة الخارجية وبالتالي له صفة رسمية، ولم يحصل اعتراض عليه من أي جهة الّا على المستوى السياسي»، مؤكّدةً أنّ «هدفه ليس استعداء أي جهة».

من جهتها ترى مصادر خبيرة ومطّلعة، أنّ تأثير الأزمة الروسية – الأوكرانية على لبنان اقتصادي، إذ إنّه يستورد كلّ كميات القمح من أوكرانيا وروسيا، فضلاً عن أنّ ارتفاع أسعار المحروقات سيؤثر على المستوى المعيشي في لبنان وكلّ العالم، لكن هذا التأثير الاقتصادي ليس بلا حلّ، إنّما كلّما طال أمد الأزمة سيتأثر لبنان أكثر على هذا المستوى. وبالنسبة الى بيان وزارة الخارجية والاختلاف الذي ظهر بين الأفرقاء والتنصّل منه، فترى هذه المصادر، أنّ هذه «لعبة ولدانية» مفضوحة، إذ حاول هؤلاء توجيه رسالة إيجابية الى الأميركيين لرفع العقوبات عن البعض من جهة، ثمّ تنصلوا موجّهين رسالة الى موسكو، لأنّ للروس كلمة في الانتخابات الرئاسية من جهةٍ ثانية. لكن هذه التأثيرات في السياسة الداخلية بسيطة وحدودها معروفة، بحسب المصادر نفسها. أمّا عن خروج لبنان من الأجندة الدولية جرّاء الانغماس أو الانشغال بالأزمة الروسية – الأوكرانية، فتوضح المصادر إيّاها، أنّ لبنان ليس مهمّاً الى حدّ يُضطر المجتمع الدولي الى أن يتركه لكي يتفرّغ للعمل على مسائل وأزمات في دول أخرى، إذ إنّ الاهتمام بالوضع في لبنان لا يتطلّب متابعة من أكثر من 4 أو 5 موظفين في كلّ من وزارتي الخارجية الفرنسية والأميركية من أصل آلاف الموظفين. كذلك إنّ الأميركيين مصرّون على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، ومتمسّكون بإكمالها وإنهائها، وقد يغضون الطرف عنها مرحلياً ويؤجّلون البتّ بها، فقط إذا تفلّتت الأوضاع في أوروبا.

كذلك، لا تأثير للأزمة الروسية – الأوكرانية على الانتخابات النيابية، ولن يتسامح المجتمع الدولي مع محاولة تطييرها أو تأجيلها من الداخل، استغلالاً للتركيز الدولي على الحرب في أوكرانيا، بحسب المصادر المطلعة، وذلك لأنّ الغرب مصرّ على إجراء الانتخابات لأسباب طويلة الأمد ولمساعدة لبنان كي لا ينهار، إذ إنّه يعوّل على أن تحدث الانتخابات النيابية المقبلة بعض التغيير في النظام، ويراهن على الانتخابات، عسى أن تغيّر موازين القوى قليلاً وليس جذرياً، بحيث يدخل أشخاص الى مجلس النواب يعترضون على الصفقات والمسار القائم منذ عشرات السنوات. وتوضح، أنّ لبنان ليس الصين، والذي يريده الغرب من لبنان لا يتطلّب تركيزاً كبيراً. وبالتالي، إنّ شظايا الأزمة الروسية – الاوكرانية طاولت لبنان اقتصادياً، أمّا سياسياً فلن يكون تأثيرها كبيراً ومفصلياً، ووفق المعطيات الراهنة سيبقى الوضع في لبنان تحت السيطرة.