جاءت مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون بالتحقيق في جريمة خطف العسكريين لتضع الأمور في نصابها الصحيح، كونها عبرت عن موقف لبناني جامع من هذه القضية الوطنية والإنسانية، حيث الجميع يريد معرفة الحقيقة في هذا الملف لحسم الجدل الذي دار بشأنها منذ أكثر من ثلاث سنوات، في إطار الحرص على وضع النقاط على الحروف ومحاسبة كل المقصّرين في القضية التي شغلت الرأي العام طوال هذه المدة، وانتهت إلى ما انتهت إليه، بالتزامن مع صدور دعوات من قوى سياسية تطالب أيضاً بأن يشمل التحقيق كذلك في تطورات الأحداث الأخيرة التي شهدتها مناطق الجرود، بعد الصفقات التي عقدت بين «حزب الله» والجماعات الإرهابية، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الانتقادات لتغييب الدولة اللبنانية والجيش اللبناني. وتعرب أوساط وزارية كما تقول لـ«اللواء»، عن ارتياحها لخطوة الرئيس عون، باعتبارها ضرورية لإماطة اللثام عن تفاصيل كثيرة متصلة بملف العسكريين ومن شأنها أن تبرد جراح أهالي العسكريين لكي يكونوا على بيّنة من جميع التفاصيل المرتبطة بملف أبنائهم، لناحية تحديد المسؤوليات ومحاسبة كل من يثبت تقصيره في هذا الملف، على أن تتخذ وزارة العدل بالتنسيق مع الدوائر القضائية المختصة، الإجراءات التي تضع هذه القضية على السكة الصحيحة، إيذاناً بانطلاق التحقيق بها حتى جلاء ظروفها بشكلٍ كامل وبما يفسح في المجال للإحاطة بكل تشعباتها وتفاصيلها، وهذا الأمر بالتأكيد سيلاقي استحسان أهالي العسكريين التواقين أكثر من غيرهم لمعرفة الحقيقة ولا شيء غيرها.
وإذا كانت خطوة الرئيس عون قد وضعت الأمور في سياقها الطبيعي، تجاه هذه القضية وبدعم سياسي واسع، فإنه يجدر كما تؤكد لـ«اللواء» مصادر نيابية بارزة، أن تترافق هذه الخطوة مع أخرى مماثلة تتعلق بضرورة كشف كل ما جرى في الجرود من صفقات قام بها «حزب الله» مع الإرهابيين الذين خطفوا العسكريين وقتلوهم، في وقت كان بإمكان الجيش اللبناني الإطباق على جماعة «داعش» التي كانت محاصرة في الجرود وتحت نيران مدفعيته، وبالتالي فإن ما جرى في الجرود كان بحجم الفضيحة ويجدر التوقف عنده، والتحقق من كل التفاصيل المتعلقة بهذه الصفقات التي أبرمها «حزب الله» والنظام السوري مع الإرهابيين دون علم الجيش اللبناني والسلطات الرسمية اللبنانية، ما جعل وقع الصدمة على أهالي العسكريين واللبنانيين كبيراً ومؤلماً، وبالتالي فإنه من الطبيعي ألا تقتصر مطالبة رئيس الجمهورية على التحقيق في قضية خطف العسكريين، وإنما يجب أن تتعداها إلى ما رافق عملية تحرير الجرود من تساؤلات، لأن التحقيق ولضمان حسن سيره في إطاره الصحيح، وللوصول إلى أهدافه المطلوبة، لا بد وأن يكون شاملاً ومعمقاً وقادراً على الوصول إلى كل ما من شأنه أن يفيد الحقيقة ويضيء على وقائع تخدم هذا التحقيق، وتساعد على إنجازه بالصورة المطلوبة.
وتشدد المصادر على أن أهالي العسكريين، وكما يريدون معرفة ما جرى في قضية خطف أبنائهم، فكذلك يريدون أن يعرفوا الدوافع والمبررات التي سمحت بتأمين «ممر آمن» لإرهابيي «داعش»، في وقت كان يُفترض أن يتم اعتقال كل هؤلاء المتورطين في خطف العسكريين ومحاسبتهم وإنزال أشد العقاب بحقهم على ما اقترفته أيديهم، مؤكدة أن لا غطاء من أي طرف سياسي على أي مسؤول أو جهة سياسية يثبت تقصيرها في ملف العسكريين، لكن السؤال المطروح، هل يمكن للتحقيق إذا ما بدأ أن يصل إلى غايته، أم أن هناك من سيعرقله ويحرفه عن مساره؟