يؤكد التصعيد الإيراني انطلاقاً من اليمن وفي العراق وسوريا ولبنان أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” مصرّة على التمييز بين ملفّها النووي من جهة وسلوكها خارج حدودها من جهة أخرى. يقلق مثل هذا الإصرار الإيراني دول المنطقة، كما يقلق إسرائيل التي تمتلك حساسية خاصة بها تجاه أي سلاح نووي يمكن أن تحصل عليه “الجمهوريّة الإسلاميّة”.
باتت دول المنطقة، خصوصاً الدول العربيّة في الخليج، تعرف أنّ المشكلة مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” تكمن في مشروعها التوسّعي أكثر بكثير من برنامجها النووي. فكلّ دولة من هذه الدول تجد نفسها مستهدفة بطريقة أو بأخرى. ليست الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة التي تُطلق من اليمن في اتجاه الأراضي السعوديّة سوى دليل صارخ على العدوانيّة الإيرانيّة.
واضح كلّ الوضوح أن لدى إيران هدفاً محدّداً في ما يخصّ التفاوض مع الولايات المتحدة والأوروبيين في شأن برنامجها النووي. كلّ ما تريده هو التخلص من أكبر مقدار من العقوبات الأميركيّة كي تحصل على تمويل يسمح لها بالانصراف إلى السير قدماً في مشروعها التوسّعي. ستكون السنة 2022 سنة محورية. ستسمح تلك السنة، بل الأسابيع الأولى منها، بمعرفة هل في استطاعة إيران فرض شروطها والفصل بين برنامجها النووي من جهة وصواريخها وطائراتها المسيّرة… وميليشياتها المذهبيّة التي باتت أدوات لتدمير دول معيّنة من داخل من جهة أخرى.
في اليمن، استطاعت إيران تحويل قسم من البلد إلى قاعدة صواريخ تستخدمها على هواها. لدى السعوديّة، بكلّ تأكيد، إثباتات على التورط الإيراني المباشر أو غير المباشر عن طريق “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني في الاعتداءات التي تستهدفها. صحيح أن المشرع الإيراني في اليمن واجه صعوبات كبيرة في الاستيلاء على مدينة مأرب المهمّة، لكنّ الصحيح أيضاً أن الحوثيين حققوا اختراقات في محافظة شبوة أخيراً. لهذه المحافظة أهمّية خاصة نظراً إلى الثروات التي في أرضها من جهة، وما تمثله من جسر بين شمال اليمن وجنوبه من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك، إنّ الوجود الحوثي في شبوة يُساهم في تشديد الحصار على مدينة مأرب نفسها. بسبب أهمّية شبوة، اتخذت القوى الإقليمية المعنيّة بما يدور في اليمن إجراءات تستهدف انتزاع شبوة من براثن الإخوان المسلمين والاستعانة بـ”لواء العمالقة” من أجل الدفاع عنها.
في العراق، تفرض إيران جموداً سياسيّاً من أجل تأكيد أنّها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في بغداد. بالنسبة إلى إيران، لا تقدّم الانتخابات ولا تؤخّر. خسرت الأحزاب الموالية لها الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأوّل الماضي. بقي كلّ شيء على حاله. لا حكومة جديدة في العراق خلفاً لحكومة مصطفى الكاظمي، خصوصاً أن الأخير يحظى بثقة مقتدى الصدر صاحب أكبر كتلة في مجلس النوّاب الجديد الذي ما زال وضعه معلّقاً. جمّدت إيران الحياة السياسيّة في العراق لأنّ العراقيين يرفضون الرضوخ لإرادتها وأن يكونوا مجرّد ورقة تستخدمها في مفاوضات فيينا. ما زالت مصرّة على موقفها من الانتخابات ونتائجها على الرغم من مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج!
في سوريا، استطاعت إيران فرض تغيير ديموغرافي على الأرض. هجرت أكبر عدد ممكن من السوريين. تحاول تغيير طبيعة سوريا. في الوقت ذاته ليس ما يشير إلى أن في استطاعة النظام الأقلّوي القائم الإفلات من سطوتها. في النهاية استثمرت مليارات الدولارات من أجل بقاء هذا النظام وجعل سوريا خاضعة لها. ثمّة حاجة إلى معجزة كي تعود سوريا إلى ما كانت عليه في الماضي القريب… أي قبل العام 1970 الذي شهد تغييراً أساسياً في مجال صعود الطائفة العلويّة ووضع يدها على مفاصل البلد بعد تفرّد حافظ الأسد في حكم البلد…
في لبنان، لا جدال في ما يخصّ النفوذ الإيراني. هناك بلد رئيس جمهوريته ميشال عون ويحكمه فعلياً حسن نصرالله، الأمين العام لـ”حزب الله”. بات الحزب يقرّر من هو رئيس الجمهورية في لبنان، وهل تتشكل حكومة، وهل مسموح اجتماع الحكومة في حال تشكّلت. أكثر من ذلك، صار مطلوباً أن يكون القضاء في لبنان رهن إشارة “حزب الله” ورغباته!
ليست إيران في وارد التخلي عن أيّ من أوراقها. على العكس من ذلك، تستخدم هذه الأوراق كي تعزّز موقعها التفاوضي مع أميركا والأوروبيين. ستكشف السنة 2022 هل ستكون “الجمهوريّة الإسلاميّة” قادرة على فرض شروطها فيما العالم، على رأسه أميركا، يتفرّج وفيما منطقة المشرق العربي تتفتت ويتفتت معها اليمن؟
ستكون 2022 سنة مفصليّة للشرق الأوسط والخليج ولإيران نفسها ومشروعها التوسّعي الذي ساعدت إدارة بوش الابن في العام 2003 في إعطائه دفعة جديدة بعد تسليمها العراق إلى حكام طهران…
يكفي متابعة التطورات في اليمن للتأكّد من ذلك، وللتأكّد خصوصاً من خطورة الوجود الإيراني في هذا البلد الذي هو جزء لا يتجزّأ من شبه الجزيرة العربيّة. بات اليمن في حاجة إلى سنوات طويلة قبل أن يجد صيغة يتحدّد في إطارها مستقبله أو عدد الكيانات السياسية التي ستنشأ على أرضه!