IMLebanon

الاتفاق الصيني: سلام بارد وإيران لن تفكك حزب الله

 

 

بالرغم من ان الاتفاق الايراني – السعودي الذي جرى توقيعه برعاية صينية قد جاء مفاجئاً لجميع المراقبين والدول العربية فقد رحبت به جميع العواصم الدولية والاقليمية، وكان اللافت ان حرارة الترحيب التي لقيها الاتفاق من جميع الدول العربية والتي ترتبط جميعها بعلاقات تجارية قوية مع الصين، حيث بدت متحمسة جداً لجهود الصين لحل النزاع الايراني – السعودي، وايجاد بالتالي خارطة طريق لاستعادة العلاقات المقطوعة بين الدولتين، بالاضافة الى ايجاد ترتيبات امنية يمكن ان تساهم في حل مختلف الصراعات التي تعاني منها المنطقة منذ قيام الجمهورية الاسلامية، بدءاً من الصراع الاكبر الجاري في اليمن.

تؤشر حماسة الترحيب بالاتفاق الذي رعته الصين الى مدى الضيق الذي تشعر به الدول العربية من عجز او قصور الولايات المتحدة واوروبا في الحد من الحروب والازمات التي تجتاح المنطقة منذ غزو العراق عام 2003، وخصوصاً بعد قرار الرئيس اوباما بسحب القوات الاميركية بصورة مفاجئة، وقبل ترتيب اقامة سلطة قادرة في بغداد، الامر الذي ادى الى ترك سوريا والعراق ولبنان ارضاً مفتوحة للهيمنة الايرانية، من خلال الاذرعة المسلحة التي شكلتها في الدول الثلاث، كما فتح الباب لتدخل عسكري سافر في اليمن.

منذ اتفاقية «كامب دافيد» للسلام بين مصر واسرائيل احتكرت الولايات المتحدة جميع الاتفاقيات والجهود الدبلوماسية لتهدئة او حل الصراعات في المنطقة، كما شنت مستعملة قواتها العسكرية الذاتية حربين ضد العراق، ويأتي الاتفاق الاخير الذي رعته الصين ليكسر هذه القاعدة المستمرة منذ ما يقارب اربعة عقود.

كان قرار المملكة جريئاً وصائباً بالخروج من تحت مظلة النفوذ الاميركي القوي والقبول، بالدخول تحت الوصاية الصينية للدخول في مفاوضات معقدة مع ايران، في ظل احتدام الصراع بين الدولتين، وفي ظل تشظيات الحرب اليمنية، والتي اصابت العمق الحيوي السعودي، من خلال الصواريخ والمسيّرات الايرانية المنطلقة من اليمن. ويبدو بأن القيادة السعودية الراهنة قد اخذت بالنصيحة التي تركها لها الامير سعود الفيصل عندما كان وزيراً للخارجية عندما قال: «بأن المملكة العربية السعودية لا ترتبط مع الولايات المتحدة بزواج كاثوليكي، بل بزواج اسلامي، يسمح بتعدد الزوجات، والمملكة لا تسعى لطلاق مع الولايات المتحدة، بل تسعى لزواج مع دول اخرى». وتحقق الاتفاق بين الرياض وطهران بوساطة صينية، وبما يؤشر الى حدوث صفقة تراعي مصالح وسيادة ونفوذ الدولتين، مع تصحيح الخلل الحاصل في موازين القوى لصالح ايران، خصوصاً بعد احتلال العراق، وتفجّر الوضع داخل سوريا، هذا بالاضافة الى تداعيات الحرب في اليمن.

في الواقع قبلت الصين ان تكون الزوجة الثانية فاعتمدت الدبلوماسية المرنة للتعامل مع الاجواء المتشنجة السائدة في العلاقات السعودية – الايرانية لحل المقاربات العسكرية التي درجت الولايات المتحدة على استعمالها في مجمل تدخلاتها في صراعات الشرق الاوسط. فالصين رغبت اولاً في تعميق علاقاتها والحفاظ على مصالحها الكبرى مع السعوديين والايرانيين وهي حريصة على الحفاظ على تدفقات النفط الايراني والسعودي، والذي يشكل اكثر من 40 في المائة من احتياجاتها الحاضرة. وتدرك بكين مدى اهمية الشرق الاوسط، وخصوصاً منطقة الخليج في مشروعها «الحزام والطريق» وما يمكن ان تحققه من مكاسب تجارية في ظل استتباب الاستقرار والامن في هذه المنطقة. وسيؤدي هذا الاتفاق دون شك الى تلميع صورة الصين، كدولة عظمى، وبما يشجعها على القيام بمبادرات دبلوماسية جديدة لحل صراعات دولية اخرى، ويبدو من مبادرة التوسط لحل الخلاف الروسي – الاوكراني بأن بكين جادة للقيام بهذا الدور الدبلوماسي والذي سيضعها كقوة منافسة للولايات المتحدة لحل الصراعات الدولية.

من المؤكد بأن الاتفاق السعودي – الايراني يشكل بشرى سارة للدولتين ولكل شعوب المنطقة، ولكنه مهم بنفس الوقت للصين ولنفوذها ومصالحها الكبرى في المنطقة. فالصين تدرك مدى اهمية تحقيق الاستقرار لاستمرار تدفق النفط، ورفع مستوى تجارتها الكبيرة مع دول الشرق الاوسط.

في رأينا نجحت الصين في استغلال العزلة الدولية المفروضة على ايران، كما استغلت ضعف الدولة الايرانية في مواجهة المظاهرات المستمرة منذ ما يزيد عن خمسة اشهر، كما استثمرت في مدى حاجة السلطة في ايران الى تعاون الصين معها لتخفيف مفاعيل نظام العقوبات الاميركية والاوروبية والدولية ضدها. لكن ما زال من المبكر الرهان على مدى استعداد طهران لتغيير سلوكياتها في المنطقة، ومدى قبولها بالتضحية بحلفائها من الميليشيات التي دربتها وسلحتها وموّلتها عبر ثلاثة عقود. وهنا لا بد من طرح السؤال الجوهري: هل استعادة ايران لوضعها الشرعي، وفك العزلة عنها سيؤديان الى التخلي فعلياً عن فكرة تصدير الثورة والهيمنة على دول الجوار؟ لا يمكن الاجابة بصورة متسرعة على هذا السؤال، ولا بد من انتظار بضعة اشهر.

في المقابل جاءت الدعوة الصينية للمملكة العربية السعودية في وقت حرج، تسعى فيه الى انهاء الحرب او على الاقل الدخول في هدنة طويلة في اليمن، وذلك بعدما ادركت بأن الولايات المتحدة غير راغبة او غير قادرة على تأمين اجوائها من الهجمات الصاروخية والمسيرات الايرانية المنطلقة من اليمن.

وجاء التقاء الصين مع المملكة على خلفية ضرورة عدم القبول بهجوم جديد على منشآت شركة «آرامكس» كالهجوم الذي حدث في عام 2019، اذا ما توافرت لها مظلة النفوذ الصيني فوق ايران. كالشريكة الوحيدة القادرة على تخفيف نظام العقوبات عليها.

لقد اقدمت الرياض على السير قدماً في توقيع الاتفاق، وفي اتخاذ خطوات سريعة ومفاجئة لتحقيق المصالحة، وعلى اعتبار ضرورة الاستفادة من النفوذ الصيني لوقف اي هجمات ايرانية مستقبلية ضد منشآتها النفطية وضد العاصمة الرياض، بالاضافة الى انتهاء الحرب في اليمن والتي ترى فيها تهديداً وجودياً، في المقابل تواجه ايران ازمات معقدة في الداخل نتيجة هذه الازمات، بحيث انها باتت تشعر بأنها على شفا الانفجار، وهذا ما دفعها الى استعجال المفاوضات مع السعودية وبالتالي الى توقيع الاتفاق.

لكن لن تكون طريق تنفيذ الاتفاق سهلة ومعبدة، وذلك بسبب انعدام الثقة بين الدولتين في ظل اثقال تجارب السنوات الماضية، ومن المتوقع في ظل اجواء الريبة المسيطرة بين العاصمتين، فإن اي سلام سيتحقق سيكون بارداً، وعلى عكس ما ستعجله الاطراف العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

من هنا لا بد من التساؤل حول مدى ما يمكن ان يحقق الاتفاق من تقارب بين الدولتين. من المؤكد ان الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران سينفذ خلال المهلة المحددة بشهرين خصوصاً بعد اتخاذ الملك سلمان بن عبد العزيز قرار دعوة الرئيس الايراني رئيسي لزيارة الرياض.

لكن بالرغم من النجاح باعادة العلاقات الدبلوماسية الى طبيعتها فإنه لا بد من التحذير من ركوب موجة من التفاؤل حول امكانية حل كل الصراعات الواسعة الجارية على مستوى المنطقة، سواء في بلاد الشام، وفي محيط دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً ما يعود الى مساندة ايران للمجموعات الشيعية داخل الدول الخليجية.

في النهاية ماذا عن لبنان؟ لقد استبق وزير الخارجية السعودي كل توقعات اللبنانيين المتعلقين «بحبال الهوا» بقوله بأن القضية في لبنان هي بانتظار توافق اللبنانيين وبأن الحل يجب ان لا ينتظر تفكيك حزب الله.