Site icon IMLebanon

عين التينة ترصُد الإقليم.. هل يصل فرنجية إلى بعبدا على حصان التسوية؟

 

إرتبطت العقارب الرئاسية بساعة التسويات الاقليمية بعدما عجزت القوى السياسية اللبنانية بـ11 جلسة، عن ضبط انتخاب رئيس الجمهورية على التوقيت المحلي، فسلّمت أمرها للخارج للبحث عن تسوية سياسية تكسر حلقة الجمود وتفتح أبواب بعبدا الموصدة وتعبّد طريق الإنقاذ الاقتصادي.

ما إن وضعت «الحرب» السعودية- الايرانية أوزارها، وأسدل الطرفان ستار اتفاق بكين الذي أحدث زلزالاً سياسياً في المنطقة ومنها لبنان الذي ينتظر على رصيف التسويات ليقطف من ثمارها، حتى فاضت الساحة اللبنانية بسيل من التحليلات التي انقسمت بين رؤيتين:

 

الرهان على اتفاق طهران – الرياض، والانفتاح العربي على سوريا بإنتاج تسوية في لبنان.

 

الرهان على أنّ مصالحة بكين لن تخترق الساحة اللبنانية التي تحكمها معادلة أبعد من المظلة الايرانية -السعودية – الفرنسية إلى المعادلة الأميركية مع مراعاة المصالح الاسرائيلية.

 

فأي من الرؤيتين أقرب إلى الواقع؟ وماذا تقول المؤشرات والمعلومات؟ هل ستنجح الجهود الفرنسية في تعبيد طريق قطار التسويات الذي انطلق من بكين الى بيروت، أم أنّ واشنطن ستغلق الممرات السياسية عليه؟ وهل يكفي الاتفاق الفرنسي- الايراني- السعودي لإنتاج تسوية في لبنان من دون المظلّة الأميركية؟ وهل تذهب الرياض بعيداً في فرض تسوية في لبنان خارج رضا واشنطن؟

 

لم يكن محض صدفة إعلان الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله عن دعم ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، بل جاء قبيل أيام قليلة من الإعلان عن المصالحة السعودية- الايرانية، وقد كانا على علمٍ بأنّ المفاوضات وصلت إلى خواتيمها السعيدة والنهائية. ويعتقد المتفائلون من الثنائي الشيعي، بأنّ الرياح الإقليمية والدولية تجري وفق سفن خياراتهم السياسية، وستحمل فرنجية على حصان التسويات الإقليمية إلى بعبدا ولو بعد حين، للأسباب التالية:

 

– للتذكير، فإنّ العلاقات بين «حزب الله» والرياض لم تنقطع حتى عام 2015 تاريخ اندلاع الحرب بين السعودية واليمن، وقبل ذلك شهدت لقاءات وزيارات متبادلة بين الضاحية والسفارة السعودية في لبنان، ومذذاك الحين، اتخذت الرياض قراراً بمقاطعة لبنان سياسياً ومالياً، احتجاجاً على دور الحزب بدعم الحوثيين في اليمن، ما أثّر بشكل سلبي على الأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان، وباتت المملكة غير معنية بالتسوية التي أوصلت مرشح الحزب إلى بعبدا عام 2016 (ميشال عون)، وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى فشل العهد الماضي، وحالت دون إنتاج تسوية جديدة أو على الأقل تشكيل حكومة تفتح خزائن الدول المانحة وصندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان.

 

أما الاتفاق الايراني – السعودي فيتضمن:

 

– التبادل الديبلوماسي، ووفق معلومات خاصة لـ»الجمهورية»، فإنّه سيتمّ تعيين سفراء في البلدين بعد عيد الفطر مباشرة.

– تعزيز التبادل الاقتصادي والتجاري. وقد كشف وزير المال السعودي عن توجّه بلاده إلى إقامة استثمارات ضخمة في إيران.

– التفاهم المشترك على حلّ أزمات المنطقة وعلى رأسها اليمن ثم العراق وسوريا فلبنان.

 

بناءً على ما تقدّم، يؤكّد المطلعون، بأنّ العقدة الكأداء التي تحول دون التسوية اللبنانية هي الحرب في اليمن، التي تشكّل الخاصرة الأمنية الرخوة للمملكة التي تتهم ايران والحزب بإشعالها. أما وقد أُزيلت بعد اتفاق بكين، فلم يعد هناك مشكلة للسعودية بوصول مرشح الحزب إلى بعبدا. وقد أكّد السفير السعودي وليد بخاري خلال جولته الأخيرة على المرجعيات اللبنانية، بأنّ هناك شيئاً ايجابياً على لبنان قريباً.

 

ووفق المعلومات، فقد تمكن الفرنسيون في اللقاء الخماسي الأخير، من انتزاع تفويض بإنجاز تسوية في لبنان، وتثبّت ذلك بالاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي بولي العهد السعودي. وتكشف المعلومات بأنّ الخطوات السعودية والجهود الفرنسية ليست بعيدة من العيون الأميركية، رغم تناقض المعلومات حول إطلاع قيادة المملكة الأميركيين على المفاوضات مع طهران قبل توقيع الاتفاق.

 

إنّ الانفتاح العربي والسعودي – الاماراتي تحديداً على سوريا، سينتج بطبيعة الحال معادلة إقليمية جديدة لن يكون لبنان بعيداً منها. وثمة من يربط توقيت التسوية اللبنانية باختبار نوايا طهران والرياض، وتنفيذ بنود اتفاق بكين لا سيما في اليمن، وبعد ذلك سينتقل اللاعبان الاقليميان إلى العراق وسوريا. ويشير المتفائلون، إلى أنّ عين التينة ترصد التحرّكات الاقليمية والخطوات التدريجية بعيون ثاقبة. وعند تحقق ثلاثة مؤشرات، لن يتوانى رئيس المجلس عن الدعوة إلى جلسة لانتخاب الرئيس، ويعمل بخلال أيام على ترتيب إخراجها المناسب:

 

الاول: الإعلان الرسمي لإنهاء الحرب في اليمن وتكريس التسوية السياسية.

الثاني: زيارة الرئيس الايراني إلى الرياض.

الثالث: زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى السعودية وزيارة ردّة الإجر السعودية إلى الشام.

 

ويقول المتفائلون، إنّه إذا كان الخلاف بين طهران والرياض ليس على الملف اللبناني، وطالما تفاهمتا على الأصعب، فلن تجدا صعوبة بالتفاهم على الأسهل أي لبنان. ويرون بفرنجية المرشح الأوفر حظاً والأنسب لهذه المرحلة الجديدة في الإقليم، كون الحل في لبنان سيكون أولى ثمار تحسّن العلاقات السعودية- الايرانية- السورية، وربما يكون الحل في لبنان هدية سعودية لبشار الأسد، علماً أنّ دمشق لعبت دوراً أساسياً خلال مفاوضات عمان في إنهاء الحرب في اليمن الخاصرة الرخوة للمملكة، فكيف لا تلعب السعودية دوراً أساسياً في إنقاذ لبنان من الدمار، وهو الخاصرة الرخوة لسوريا؟ ومن مصلحة السعودية انتخاب رئيس يمثّل نقطة وصل وربط وتقاطع بين مربع الخليج – طهران – دمشق – «حزب الله»، طالما هذا الخط عاد إلى نشاطه الديبلوماسي والسياسي والتجاري… وبهذه المعادلة الخليجية – العربية تكون السعودية قد أدخلت سوريا لتعزيز منظومة الأمن الخليجي، كضمانة عربية ضدّ أي تهديد إيراني محتمل للمملكة وأمنها القومي، طالما يحتاجها مشروع محمد بن سلمان للعام 2030.

ويقول مصدر في كتلة «الإعتدال اللبناني» لـ«الجمهورية»، إنّه «في حال أعطت السعودية الضوء الأخضر للسير بفرنجية، فلن نتأخّر ككتلة بانتخابه في المجلس»، وكذلك رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، لن يتخلّف عن اللحاق بركب التسوية ليكون جزءاً من منظومة العهد الجديد.

 

لن تكون واشنطن معارضة لانتخاب فرنجية، فلديها مصلحة أيضاً بأن يكون رئيس الجمهورية قريباً من الحزب، ليكون صلة وصل وجسر تفاوض مع الضاحية، بملفات ترتبط بشكلٍ وثيق بالمصالح الأميركية- الأوروبية- الإسرائيلية، كملف الترسيم البحري وضمان استمرار توريد الغاز الاسرائيلي إلى أوروبا أولاً، وضبط سلاح «حزب الله» وتهديده للأمن الاسرائيلي ثانياً، في أصعب المراحل التي تمرّ فيها إسرائيل. لكن الأميركيين يراقبون من بُعد ويفوّضون الفرنسيين والسعوديين البحث عن تسوية سياسية جديدة في لبنان، يمنحونها الضوء الأخضر إذا ضمنت المصالح الاميركية- الغربية- الاسرائيلية.

 

أما الأوروبيون والفرنسيون تحديداً، فيدفعون بفرنجية إلى الرئاسة، لأسباب عدة أبرزها أنّه يمثل جسر عبور أوروبي اقتصادي تجاري إلى «جغرافيا حزب الله»، من المطار امتداداً إلى الجنوب، حيث البلوكات الغازية الملّزمة لشركة «توتال» الفرنسية. ووفق معلومات خاصة، فإنّ الفرنسيين يحضّرون لرزمة مشاريع استثمارية ضخمة في لبنان.

ad

 

ووفق مصادر إقليمية، فإنّ تحضيرات تُجرى لعقد مؤتمر في إحدى الدول العربية وعلى الأرجح في قطر، يضمّ القيادات اللبنانية، لكن سيكون أكثر من «دوحة» وأقل من «الطائف»، يجري خلاله وضع خارطة طريق للخروج من الأزمة.

 

في المقابل، يستند المتشائمون إلى أنّ الأميركيين غير معنيين بأي تسوية سياسية في لبنان، ويختلفون مع الفرنسيين وحتى مع السعوديين في مقاربة الملف اللبناني، وبأنّ واشنطن تنتقد التنسيق ما فوق العادة بين الرئاسة الفرنسية و»حزب الله» والرئيس بري، ولن تسمح بإيصال رئيس ينتمي لـ»حزب الله» إلى بعبدا، وهي قادرة على ذلك. وما زيارة الديبلوماسية الأميركية باربرا ليف إلّا لتجميع حلفائها تحسباً لمواجهة أي اندفاعة سعودية في لبنان خارج المظلّة الأميركية. وتشير المعلومات في هذا الإطار، إلى خلاف أميركي – سعودي على أكثر من ملف، يبدأ بالمصالحة مع ايران والانفتاح على الصين وموقفها من الحرب الروسية – الأوكرانية، ولا تنتهي بقرار منظمة أوبك+ خفض انتاج النفط والغاز أكثر من 100 مليون برميل يومياً.

 

ويعتبر المتشائمون، أنّ التفاهم الايراني- السعودي لن يتمدّد إلى لبنان في الوقت الراهن. ويجزم مرجع ديبلوماسي رفيع لـ «الجمهورية»، بأنّه لم يؤتَ على ذكر لبنان في المفاوضات الايرانية- السعودية في الصين.