Site icon IMLebanon

تحييد لبنان في المواجهة الإيرانية – الأميركية

     

 

منذ 7 تشرين الأول الماضي، دخلت المنطقة في وجهَين من أوجه الصراع: مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة. حتى الآن، يبدو لبنان محيّداً عن المواجهة مع واشنطن، فيما الصراع مع إسرائيل مستمر على إيقاعه المضبوط

 

منذ بداية حرب غزة، وعنوان التحرك الغربي تجاه لبنان يتركّز على نقطتين: أميركياً، تحييد لبنان وعدم نقل المواجهة مع حماس إليه، وأوروبياً. يضاف إلى ذلك عنوان حماية القوات الدولية العاملة في الجنوب من تداعيات أيّ حرب بين إسرائيل وحزب الله. وفي الحالتين، كان حزب الله ملتزماً شروط اللعبة الإقليمية والتفاوض الجاري، فحصر حدود الاشتباك القائم جنوباً. ولو أنه في الوقت نفسه ربط وضع الجنوب ولبنان بما ستؤول إليه حرب غزة.مع مرور أربعة أشهر على اندلاع الحرب، لم تعد المقاربات الإقليمية والدولية تنحصر في المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين ومن يدعم حماس في معركتها، بل صارت تتعلق كذلك بالمواجهة مع الولايات المتحدة، وبدأت عناصر هذه المواجهة تتفلّت في أكثر من اتجاه في المنطقة. وفي هاتين النقطتين، ثمّة حدود للتقاطع مع لبنان.

إسرائيلياً، لا تزال التهديدات التي تنقل في صورة دورية قائمة، في موازاة حركة ديبلوماسية أميركية ناشطة. أما حجم الحشد الأوروبي تجاه لبنان فغير مسبوق، ويذكّر بحرب تموز، وبالحدّ الأقصى بانفجار الرابع من آب، بعد الحركة الإيرانية التي شهدتها بيروت بعد 7 تشرين الأول. والهدف لا يزال إبقاء الاشتباك الحدودي ضمن إطاره الحالي في انتظار تثبيت قنوات الحوار لأسس التفاهم المنتظر، ولا سيما أن هناك شبه تسليم بأنّ التهدئة الإيرانية لافتة في لبنان، في انتظار بلورة اتّساعها إقليمياً.

أميركياً، الأمر مختلف. حتى الآن، مرحلة الثمانينيات أصبحت وراء الطرفين المعنيّين في لبنان. وحدود المواجهة مع الولايات المتحدة لن تتحوّل إلى صراع مكشوف ومتفلّت كما شهدت العلاقة التاريخية بينهما سابقاً. لا الظروف الحالية تشبه الماضية، ولا الطرفان مستعدّان لنقل الصراع الى مستوى آخر. ولا تبدو إيران تحديداً اليوم في هذا المنحى كما يتلمّس الأوروبيون والأميركيون.

صحيح أن مفهوم عبارة وحدة الساحات عنى بداية أن الساحات التي تملك إيران نفوذاً فيها ستكون واحدة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أن الردود حتى الآن بقيت متفاوتة، من لبنان إلى اليمن والعراق وسوريا. إلا أن ما لفت أخيراً هو أن الساحات الأخرى، وصولاً الى ما جرى عند الحدود الأردنية، أعطت ملامح أولية عن نوع مختلف من المواجهة، وعن استعداد لتوسيع رقعة الاشتباك بين محورَين، من ضمنهما الوجود الأميركي، رغم روايات النفي والتنصّل وانتظار الرد الأميركي وشكله، والمستوى الذي يمكن أن يصل إليه شكلاً ومكاناً وزماناً. فحتى الآن، تعرّضت القوات الأميركية، حيث توجد في جميع مناطق التماس، لعمليات قصف مباشرة. والصراع بهذا المعنى جاء مفتوحاً بقدر ما هي مفتوحة الساحات الخصبة لكل أنواع الاستهدافات المتبادلة. في المقابل، ورغم المحاذير التي يعيشها لبنان منذ أربعة أشهر، إلا أن ما جرى في الأسابيع الأخيرة خارج حدوده أعطى إشارة الى أن لبنان لا يزال محيّداً عن تحوّله إلى ساحة استهدافات متبادلة، وبقي بمنأى عن نقل هذا الشكل من الصراع إليه.

لا ترغب إيران في جعل لبنان، الذي تملك التأثير الأكبر فيه، ساحة لصراع مع الولايات المتحدة وأوروبا

 

ثمّة مستويات عدّة لهذه المقاربة. أولاً، أن لبنان ليس ساحة للوجود الأميركي العسكري كما في المناطق التي تعرّضت للقصف. ومع ذلك، فإن أول احتكاك مع الديبلوماسية الأميركية في لبنان، مهما كانت هوية القائمين بها، وتنصّل حزب الله منها، ضبط سريعاً ولم يتكرّر، لأنه في لحظة ما كاد أن يتحوّل إلى فتنة داخلية، ولا مصلحة لحزب الله، في تلك الساعة وحتى اليوم، بأن ينقل أيّ جانب من جوانب التوتر الى الداخل فيما هو منشغل في الاشتباك الجنوبي.

الأمر الثاني هو أن لبنان في مرحلة الثمانينيات كان أرضاً خصبة للمواجهات المختلفة الأشكال، فيما كان العراق وسوريا مضبوطَين تحت حكمَي الرئيسَين: صدام حسين وحافظ الأسد، ولم يكن لإيران تالياً النفوذ الذي تملكه حالياً في كليهما. فتحوّل نفوذها مع بداية تمدّدها خارج حدودها تدريجاً الى لبنان، الذي شهد بداية وجود إيران على المتوسط.

المستوى الثالث، أن لبنان اليوم، مع هذا الحشد الديبلوماسي غير المسبوق، لا يزال يمثّل نقطة تقاطع إقليمية ودولية، في نظرتَين مختلفتين بحسابات الدول المعنية. وما يظهر أنه في مقابل اهتمام غربي وعربي بعدم دخول لبنان في الحرب، فإن إيران لا تريد كذلك فتح الساحة التي تملك التأثير الأكبر والمباشر فيها، لصراع مع الولايات المتحدة أو أوروبا. وهي لا تزال تراهن على نفوذها في لبنان وامتلاك أرجحية القرار فيه، وفي غنى عن أن تفقد ورقته بنقل المواجهة الدولية الى أرضه، ما دام لديها ساحات مفتوحة، وقادرة على أن تستخدمها كأداة مساومة، من دون أن تخربط الإيقاع اللبناني، ما يؤهّلها للاستثمار فيه مستقبلاً، ولا سيّما في اللحظة التي تشهد كثافة تدخل أوروبي فاعل، مع واشنطن، الى جانب لبنان، فضلاً عن الموزاييك اللبناني المتشعب الذي لايزال قادراً بالحدّ الأدنى على فرملة بعض الاتجاهات، ولو لم ينجح في تغييرها بالكامل.