حتى الولايات المتحدة الأميركية – وهي الدولة الأعظم في العالم – قررت الامتناع عن خوض غمار حروب جديدة، لأنه ثبت لديها بالرؤية العلمية الجازمة أن خسائر الحرب التي تقاس بأرقام فلكية، لا تضاهي الأرباح السياسية التي تقاس بأرقام حسابية بسيطة! ومن أبعاد هذه الرؤية الأميركية الجديدة أنها تترك لغيرها السقوط في فخ الحروب، بل وتشجع الآخرين من خصوم وحتى حلفاء، على خوضها! ومن نتائج ذلك – في نظرها – أن الحرب تضعف الخصم فتزداد أميركا قوة، وتضعف الحليف فيزداد حاجة اليها! وهذه الرؤية هي في صلب الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد وصوله الى البيت الأبيض.
***
في صلب هذه الاستراتيجية أيضاً معادلة اسرائيل وُجدت لتبقى! ومن الثابت لدى أدمغة الفكر المخطط بعيد المدى في أميركا، أن الزمن بسرعته العادية يعمل ضد مصلحة وجود اسرائيل واستمراريتها، فكيف بهذا الزمن بسرعاته المعلوماتية والتقنية المعقدة والمتقدمة، والذي تحول الى مشاع عالمي ينهل منه كل طامح وليس اسرائيل وحدها، وايران هي المثال الصارخ على ذلك؟! وفي نظر أوباما أن هذا التوقيت الاستراتيجي الراهن هو الأنسب على الاطلاق لابرام اتفاق سلام بين اسرائيل من جهة، والفلسطينيين والعرب وهم في ذروة ضعفهم من جهة ثانية… وهو أمر يقطع الطريق على ايران لمتابعة سياسة تحرير فلسطين، وبخاصة بعد خروجها من مأزقها النووي!.. ولكن أوباما اصطدم بعقلية نتنياهو الخشبية، ولذلك آثر الرئيس الأميركي متابعة تمهيد الطريق، وترك هذه المهمة لخلفه!
***
سياسة أميركا الواقعية البراغماتية التقليدية هي التي تدفع بالأميركيين الى عدم متابعة برنامج ثبت فشله، والى وضع برنامج بديل. ومن ثوابت السياسة الأميركية أنها تحترم الدول القوية بذاتها، فإذا كانت معادية لأميركا فإنها تعمل على كسرها بكل الوسائل المتاحة… وإذا عجزت عن ذلك، فإنها تستدير للتعامل معها بواقعية، وعلى أسس موازين القوى السائدة. ومشت أميركا سابقاً بمشروع الهلال الاخواني، لأنها اعتبرت أنه يحمل في ذاته دينامية قوته… وعندما فشل، استدارت نحو حلول أخرى، بدأ البعض يطلق عليها تسمية الهلال الايراني!..