Site icon IMLebanon

إيران تائهة بين إمبراطوريتين: العنف أو المعرفة

 

تحاول إيران منذ أكثر من أربعة عقود، تأسيس أمبراطورية على حساب دول الشرق الأوسط. بعد كل هذه التضحيات على مدى العقود الأربعة، وعدم التردُّد في خوض الحرب طوراً واستخدام العنف الأقصى دائماً، لا تزال إيران تائهة في البحث عن كيفية تأسيس هكذا أمبراطورية معاكسة لمسار التاريخ. لذا يمكن طرح السؤال: أولاً ما أسباب هذا الفشل؟ وثانياً هل هناك من أفق لنجاح هكذا مشروع في عالم اليوم؟

 

الأمبراطوريات التي نجحت عبر العصور استفادت، من دون أدنى شك في مراحلها الأولى، من العنف للسيطرة على بقية الشعوب؛ لكنها قدّمت لهذه الشعوب، بعد تثبيت السيطرة عليها، مكتسبات في المعرفة والتطور والإزدهار. فاليونانيون أغنوا العالم بالفلسفة والرياضيات، والرومان قدموا للإنسانية العدالة والحقوق، والأوروبيون أسسوا أمبراطورياتهم بعد الثورة الصناعية، على المعرفة والتطور وعلّموها للشعوب وأسسوا المدارس والجامعات… ولا تزال تقديمات هذه الأمبراطوريات، تشكل مراجع ومناهل لكثير من الشعوب الباحثة عن التطور والإزدهار.

 

بالمقابل ماذا قدمت إيران لتفرض سيطرتها على الشعوب المجاورة؟! هي تمارس العنف على جيرانها منذ أربعة عقود ونيف، بدءاً بحربها على العراق؛ ولا تزال تائهة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، بعدما فشلت في حربها المباشرة على العراق، فاستبدلت الحرب المباشرة، باستغلال أبناء هذه البلدان باسم الدين وكذلك من دون جدوى. وبالرغم من ذلك، لم تحقق أي نوع من الإستقرار فوق أيٍّ من هذه الساحات؛ فاستهلكت «حماس» في غزة، وأدخلت الحوثيين في حربٍ كونية لا طاقة ولا مستقبل لهم بها، ثم سارعت لضبط وحماية ذراعيها العسكريتين في العراق وسوريا خوفاً من الأعظم، كما تجهد لضبط الساحة الجنوبية في لبنان، لتفادي المواجهة الشاملة بين إسرائيل و»حزب الله» خوفاً على مصير هذا الأخير. أما أسباب فشلها حتى اليوم فهي عديدة:

 

أولاً، استثمرت الأمبراطوريات السابقة في أبنائها لفرض السيطرة على بقية الشعوب؛ بينما إيران تستثمر، في القرن الحادي والعشرين، في أبناء الساحات المستباحة، في زمن رفض السيطرة، ما يصبغ هؤلاء الأبناء بنظر مواطنيهم، بالمرتزقة العاملة لصالح الغريب. ثانياً، قدمت الأمبراطوريات التاريخية السابقة للشعوب التابعة لها، المعرفة والتطور والإزدهار… وشكلت هذه التقديمات لتلك الشعوب، حوافز للقبول والرضى في مراحل عديدة. بينما لم تقدم طهران لشعوب الشرق الأوسط أيّ حوافز، باستثناء السلاح والموت لتأمين مصالح طهران؟

 

فالسلاح الذي تقدمه هدية لبعض شعوب المنطقة، تحوّل إلى مادة لإنتحار هذه الشعوب في خدمة السياسة الإيرانية؛ كما يحصل اليوم في غزة واليمن ولبنان وسوريا والعراق. أمّا إذا كان لتعزيز نشر المذهب الشيعي، كما يحصل اليوم في بعض الساحات، فإنّ الخلاف على هوية الخالق، لن يشكل مادة للتوسع والإقناع؛ والتاريخ في أوروبا والشرق الأوسط والصين… وغيرها من بلدان العالم، يؤكد أنّ اللعب على هوية الإله لحسم الصراعات أو للتوسع يبقى أمراً مستحيلاً في عصرنا الحاضر.

 

بالإضافة إلى فشل طهران فوق الساحات، لا تشكل إيران نموذجاً حضاريّاً أو إقتصاديّاً أو إجتماعيّاً يقتدى به لتقليده في هذه الساحات. فالعنف الذي تمارسه على مواطنيها، وحرمان شعبها من أبسط حقوق الإنسان في الحرية والعدالة والمساواة، واضطهاد المرأة وأحكام الإعدام التي نفذت بحق أكثر من سبعمئة مواطن خلال العام المنصرم، وعجزها عن حماية بعض نخبها من الإغتيالات، واقتصادها الذي يترحم فيه المخضرمون بينهم على زمن الشاه… كلها أمور تثبت أنّ «الحلم» الإيراني تحول إلى كابوس يؤرق شعبها ويزعج الدول المجاورة؛ ويمنعها من مجاراة العصر في التقدم والإزدهار. ويكفي أن نعرف أنّ رجلاً أعزل، استطاع أن يهزم الأمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس بكل أسلحتها وعنفها فوق القارة الهندية، لنؤكد أنّ العنف لم يعد له مكاناً للسيطرة على الشعوب. وها هما «الأمبراطوريتان» اليابانية والألمانية، اللتان أيقنتا عدم جدوى العنف الذي خبراه سابقاً للتوسُّع، تنتقلان إلى الغوص في عالم المعرفة والتطور لبناء «أمبراطوريتيهما» الحاليتين.

 

بين الإستثمار في المسيّرات للحرب والإستثمار في السيارات للإزدهار، لا تزال طهران مصرّة على الإستثمار في الأولى. بينما الخيار الثاني، زمن الإستثمار في المعرفة للسلام، هو الذي تصبو إليه كل شعوب العالم لمواكبة عصر التطور والإزدهار.