Site icon IMLebanon

الرسالة الإيرانية المزدوجة

 

السؤال في غاية البساطة، العراق في العراق ام ايران في العراق؟ السؤال يطرح نفسه بعد حصار السفارة الاميركية في بغداد ردّا على مهاجمة الاميركيين مواقع لميليشيات موالية لإيران داخل الاراضي العراقية والسورية. أسوأ ما في الامر كان انكشاف النظام العراقي الذي وقف متفرجا على الميليشيات الايرانية تهاجم بقيادة «الحشد الشعبي» و»حزب الله العراقي» السفارة الاميركية في بغداد. هناك نظام عراقي لم يعد موجودا. اثبتت الاحداث المتلاحقة في العراق انّ ايران حلت مكانه وانّها صارت الحاكم الفعلي للبلد. المفارقة ان الذين هاجموا السفارة الاميركية، انّما أتت بهم دبابة أميركية من طهران الى بغداد!

 

فشلت الإدارات الاميركية المتلاحقة منذ العام 2003 في بناء نظام عراقي جديد كانت تظنّ انّه سيكون نموذجا لما يُفترض ان تكون عليه دول المنطقة. ما يشهده العراق اليوم هو نتيجة فشل المحاولات الاميركية الهادفة الى تحويل العراق الى بلد ديموقراطي. كلّ ما فعلته الإدارات الاميركية السابقة، وهو ما تحاول إدارة دونالد ترامب إصلاحه، صبّ في مصلحة ايران التي ترفض التراجع عن مكاسبها من منطلق ان العراق ورقة مهمّة لديها، بل الورقة الاهمّ، في المواجهة مع الإدارة الاميركية الحالية.

 

ما لا يمكن تجاهله ان ردّ الفعل الاميركي القويّ جاء بعد هجوم إيراني على قاعدة أميركية في كركوك قتل نتيجته متعاقد اميركي. من الواضح ان ايران تريد حربا أميركية – إيرانية في العراق تكون بديلا من حرب أميركية على ايران تُشنّ حاليا بسلاح العقوبات. الأكيد ان ايران لم تعد تدري ما الذي عليها عمله من اجل التخلّص من هذه العقوبات التي اثّرت عليها تأثيرا كبيرا باعتراف الرئيس حسن روحاني نفسه. المضحك ان روحاني ما زال يطرح شروطا من اجل قبول التفاوض مع الاميركيين. لا يريد اخذ العلم ان هناك إدارة تعرف ايران جيّدا. الدليل على ذلك ان ترامب لم يتردّد في تحميل طهران مسؤولية ما تتعرّض له السفارة الاميركية في بغداد.

 

لعلّ اوّل ما تفاجأت به ايران هو ردّ الفعل الاميركي الذي تمثّل في رد سريع وقاس استهدف ميليشياتها في العراق وفي سوريا. على رأسه هذه الميليشيات الايرانية «حزب الله العراقي» الذي يسعى الى ان يكون مثل «حزب الله» في لبنان. كانت النتيجة انّ هناك حاليا مواجهة أميركية – إيرانية حقيقية في العراق وما يتجاوز العراق. تطورت المواجهة الى سعي ايران الى احراج الولايات المتحدة عن طريق تطويق سفارتها في بغداد وتحطيم احدى بواباتها. هذا يعني بكلّ بساطة ان لدى ايران ما يكفي من الادوات العراقية للقيام بهذه المهمّة. الاهمّ من ذلك كلّه، اثبتت طهران انّ لديها عناصر موالية لها في العراق تسمح باحراق احدى بوابات السفارة، وربّما السفارة نفسها، التي تحتلّ مساحة 420  الف متر في بغداد والتي كلّف بناؤها ما يزيد على 750 مليون دولار. الرسالة الايرانية واضحة كل الوضوح. فحوى الرسالة ان العراق ارض إيرانية وان كلّ ما قامت به اميركا في العام 2003 هو تسليم العراق الى ايران.

 

استغلت ايران الهجوم الاميركي على قواعد لـ»حزب الله العراقي» في العراق وسوريا كي تضرب عصفورين بحجر واحد وكي تبعث برسالة مزدوجة. هناك العصفور الاوّل المتمثّل في اثبات السيطرة على العراق وانّ لا رجعة عن تحويله الى جرم يدور في الفلك الايراني. امّا العصفور الثاني فهو يتمثّل في انّ الثورة العراقية التي رأس حربتها شيعة العراق ليست ثورة حقيقية، اقلّه من وجهة النظر الايرانية. الدليل على ذلك ان لا وجود لعراقيين يعترضون على تطويق ايران، عبر ادواتها، للسفارة الاميركية في بغداد. تريد ايران ان ينسى العالم ان هناك ثورة شعبية عراقية ضدّها وان القنصلية الايرانية في النجف أحرقت ثلاث مرات في غضون شهر واحد. ليس تطويق السفارة الاميركية ثمّ التراجع تلبية لطلب الحكومة العراقية سوى تهديد مباشر للعراقيين المنتفضين على الوجود الايراني لا اكثر.

 

استطاعت ايران ان تقول لهؤلاء العراقيين انّ «الحشد الشعبي» هو مستقبل العراق وان تجربة «الحرس» الثوري في ايران تنطبق على العراق أيضا. هل يرضخ العراقيون للقدر الايراني الذي يعني بين ما يعنيه ان «الجمهورية الإسلامية» لم تنس حرب 1980 – 1988، وهي تعتبر هذه الحرب مستمرّة ولن تغفر يوما للشيعة العرب وقوفهم في وجه الزحف الايراني على العراق، وهو زحف بدأ مباشرة بعد انتصر الثورة التي أطاحت الشاه في العام 1979.

 

برسالتها المزدوجة الى الإدارة الاميركية والى الداخل العراقي، تعتقد ايران انّها استعادت المبادرة، خصوصا بعدما تبيّن ان النظام القائم في العراق صار مجرد أداة للزينة لا تستطيع حماية سفارة اجنبية في بغداد.

 

لن تنقذ الرسالة الايرانية المزدوجة النظام الايراني من ضرورة مواجهة الحقيقة والواقع. الحقيقة والواقع يقولان انّ ازمة النظام الايراني عميقة من جهة وهي مع الايرانيين انفسهم من جهة أخرى. لا ينقذ النظام الايراني سوى التصالح مع الواقع والحقيقة مع ما يعنيه ذلك من اعتراف بفشله على كلّ صعيد وفي كل المجالات، خصوصا انّ ليس لديه ما يصدّره سوى ميليشيات مذهبية تنشر البؤس حيثما حلّت، بما في ذلك العراق. اذا كان من معركة إيرانية يمكن ربحها، فانّ ساحة هذه المعركة هي ايران، حيث ارقام مخيفة عن الفقر والتخلّف، وليس ايّ مكان آخر.

 

في النهاية فشل الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» في بناء نظام عراقي بديل موال لإيران بعدما عجزت اميركا عن جعل البلد يقف على رجليه مجدّدا. كان عادل عبد المهدي الواجهة الأخيرة التي استخدمها. استقالت حكومة عادل عبد المهدي ولم توجد بعد شخصية صالحة تحلّ مكانه. كلّ الشخصيات التي طرحتها ايران مرفوضة.

 

لن يحل حصار السفارة الاميركية، من قريب او من الضفّة الأخرى لنهر دجلة، أي مشكلة إيرانية. لن تكون فائدة تذكر من الرسائل الايرانية عبر العراق.

 

عاجلا ام آجلا ستستعيد الثورة الشعبية العراقية على ايران نشاطها وحيويتها… فيما ستستمر العقوبات الاميركية على «الجمهورية الإسلامية»، بل ستزداد. الى متى يستمر الهرب الايراني من الحقيقة والواقع؟ الم يكتف النظام في ايران بما تسبب به في لبنان وسوريا والعراق واليمن… ام يريد مزيدا من البؤس والخراب في هذه البلدان العربية خدمة لوهم اسمه المشروع التوسّعي الايراني؟