سأتّكل على الله وأفترض، أنّ «أزمة» إيران في العراق أكبر ممّا كان الظنّ سابقاً. وأعمق من الأسباب التبريريّة التي أُعطيت لها في الآونة الأخيرة وخصوصاً بعد عودة أبرز قادة الشيعة هناك، الى الفضاء العربي (قومياً) والى تظهير المصلحة العراقية (وطنياً) وإلى اعتماد الخطاب التوليفي الانتي فتنوي (إسلامياً).
تلك الأزمة، كانت موجودة أصلاً لكنّها ظلّت في العتم تبعاً لتقدّم أولويات أخرى عليها. بدءاً من تداعيات سقوط نظام صدّام حسين والمرحلة الانتقالية التي تلَتْه. مروراً بما سُمّي «مقاومة الاحتلال» الأميركي. ثمّ انفجار «الحرب الأهلية – المذهبية» غداة تفجيرَي سامراء في العام 2006، وصولاً الى الحالة «الإرهابية الداعشية» الذاهبة أخيراً الى أفول طال انتظاره.
في التاريخ العراقي الحديث ظاهرتان تأسيسيّتان يعرفهما كلّ عراقي وكلّ معنيّ بالوضع العراقي. الأولى أنّ ثنائية مرجعيّة النجف وقُمّ، سابقة على ولادة الكيان المستقل عن الاستعمار البريطاني في العام 1932 رسمياً. وقائمة برغم كون مرجعيّة النجف هي الأولى تبعاً لرمزيّتها الإمامية، ولكونها الأصل في الفقه والتشريع واللغة. كما برغم تأخر دور قُمّ في الظهور الى ما بعد انتهاء حكم الشاه… دائماً كانت هناك حساسية عربية تتقدم على وحدة الحال المذهبية عند العراقيين. ودائماً كان هؤلاء شديدي الإصرار على تظهير المعطى العربي في هويّتهم ودينهم. وكذا الحال (إفتراضاً) على الجانب الآخر، وإلا ما كانت قُمّ لتأخذ ذلك الوزن والمدى (التنافسيّين) باعتبارها مركز الثقل المرجعي للإيرانيين أولاً.
الثانية، إنّ غالبية العسكر الذي قاتل في حرب الخليج الأولى كانت من شيعة العراق.. ولم تكن آليات البطش التي اعتمدها صدّام حسين، هي السبب الدافع (الوحيد!) لانخراط هؤلاء العراقيين بهمّة حقيقية في حرب استمرت على مدى ثماني سنوات ضد إيران.. ذات الغالبية الشيعية والمحكومة بنظام جديد يقوده «آيات الله»!
لم يطرق «القادة» العائدون الى العراق بعد سقوط النظام، هذا الأمر «الحساس» لا من قريب ولا من بعيد.. لكنّه مع ذلك يبقى «حقيقة» لا بدّ لها من التبلور في لحظة ما. ولا بدّ من الإجابة المكشوفة عن السؤال الخاص بأسبابها بعد همود الحال الراهن، وتخفّف هؤلاء «القادة» من تبعات العلاقة التبادلية مع إيران التي آوت الجزء الأكبر منهم ودعمتهم ضدّ بطش صدّام ونظامه.
لكن انتظار الجواب، لا يطمس مقوّماته. وفي ذلك يصحّ التجرّؤ والافتراض، بأنّ المعطيَين القومي العروبي والوطني العراقي، غلبا المعطى المذهبي عند الغالبية العُظمى من «شيعة جيش صدّام» في الحرب مع إيران.. وأهميّة العودة الى ذلك التاريخ غير البعيد تكمن في تكرار حيثيّاته، أو بالأحرى، بدء تراكم ظواهر ذلك التكرار!
ما بدأه رئيس الحكومة حيدر العبّادي والسيّد مقتدى الصدر ونظيره عمّار الحكيم وصولاً الى هادي العامري رئيس «منظمة بدر» (وما أدراك ما العامري وما منظّمته بدر وخصوصاً في الحرب المذهبية التي تلت تفجير المرقدين في سامراء عام 2006!) يدلّ في السياسة على «إختلاف» كبير مع إرادات إيران، لكنه في العمق، لا ينفصل عن «الحقيقة» ذاتها التي تفسّر اندفاع «شيعة جيش صدّام» في حرب الأعوام الثمانية، بهمّة و«صدق» كبيرَين!
وما كانت تلك النوازع «العروبية» و«الوطنية» و«الاستقلالية» لتظهر بهذه الكثافة وهذا التسارع لو لم تصل الحرب ضدّ «داعش» ا(العراقي!) الى خواتيمها.. وذلك، في كل حال، يعيد الألق والصدقية الى الحقائق القائلة بأنّ الحلف الأسدي – الإيراني (ونوري المالكي خير العارفين!) استثمر طويلاً ومديداً في محنة العراقيين. تارةً تحت شعار «دعم مقاومة الاحتلال». وتارةً بسفورٍ تام تحت مظلّة الإرهاب بكل أشكاله وعناوينه ورُعبه وفظاعاته ومجازره و«سياراته المفخخة» وتفجيراته الانتحارية! واستهدافاته للبنى والمراكز والمجاميع والمراقد الدينية المقدّسة من سامراء الى كربلاء! ومرّة ثانية إسألوا المالكي، وهو خير العارفين والشاكين، قبل أن يؤثر شيطان الانتهازية والأنا المريضة على «معلوماته وشكاويه»!
أزمة إيران الكبرى، أنّ العراق موعودة بالسلام! وأنّ الاستثمار في الشيعة ضدّ السنّة، وفي الإرهاب ضد الطرفَين، وصل الى نهايته! وليس أدلّ على ذلك، من خروج شخص مثل هادي العامري الى الصراخ العلني ضد «الاتفاق» الذي أخرج بموجبه، «حزب الله» عناصر «داعش» من لبنان الى حدود العراق!