IMLebanon

الاتفاق النووي الإيراني… ما البديل؟

 

أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيرة الصحافيين وفضولهم الأسبوع الماضي عندما باغتهم خلال التقاط صورة جماعية مع كبار القادة العسكريين وزوجاتهم الذين استضافهم على عشاء في البيت الأبيض، قائلاً: «أتعرفون ماذا يمثل هذا الجمع… قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة». لم يوضح لهم ما الذي يقصده بتلك العبارة التي وردت فجأة بينما كان الصحافيون يتساءلون عن قراره المرتقب بشأن الاتفاق النووي الإيراني، بل زاد من فضولهم عندما رفض الخوض في أي تفاصيل رداً على الأسئلة عن «العاصفة» المقبلة التي يعنيها، أو الإجراءات التي يعتزم إعلانها في إطار استراتيجية التعامل مع إيران، مكتفياً بالقول: «سوف ترون»!

ترمب قد يكون ميالاً إلى إضفاء أجواء من الإثارة على قراراته، وتعلم أسلوب التشويق من برنامجه التلفزيوني الذي قدمه منذ عام 2004 وحتى إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية؛ لذلك لم يدع فرصة ظهوره مع كل قياداته العسكرية أمام الصحافيين تمر من دون إحداث زوبعة حول قراره بشأن الاتفاق النووي الإيراني. لكنه ربما لم يكن في حاجة إلى تغذية أجواء الترقب هذه المرة؛ لأن القرار بشأن تجديد اعتماد الاتفاق النووي أو الانسحاب منه كان محور جدل ونقاشات واسعة في واشنطن منذ أشهر. فليس سراً أن هناك خلافات داخل الإدارة بين تيار يتبع ترمب الذي يريد إلغاء الاتفاق الذي يصفه بأنه «أسوأ صفقة في التاريخ»، وتيار يضم فريق الأمن والسياسة الخارجية المكون من وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر، وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، وهو التيار الذي يرى أن الاتفاق ليس مثالياً، لكنه الخيار الأفضل بين بدائل سيئة، وأنه رغم عيوبه يحقق هدفاً أساسياً في تعطيل مشروع إيران النووي، ومنعها من تطوير وحيازة سلاح نووي لعشر سنوات على الأقل.

هناك حجة أخرى يطرحها التيار البراغماتي الداعي إلى الإبقاء على الاتفاق، وهي أن المشكلة الحقيقية مع إيران ليست في مدى التزامها بالاتفاق؛ لأنها بشهادة الأطراف المختصة بما فيها وكالة الطاقة الدولية تنفذ التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق، بل المشكلة هي كيفية التعامل مع سلوكها المصدر للمشاكل والمثير للقلاقل في المنطقة، وهو أمر يقع خارج نطاق الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين طهران والدول الست الكبرى (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً ألمانيا). من هذا المنظور فإن انسحاب الإدارة الأميركية من الاتفاق لن يحسن سلوك إيران، بل قد يزيده سوءاً، كما أنه سيجعل أميركا معزولة في مواجهة الشركاء الدوليين الآخرين في الاتفاق الذين أعلنوا كلهم معارضتهم للإلغاء وتمسكهم به ما دامت طهران تنفذ التزاماتها المنصوص عليها وتتعاون مع عمليات التفتيش والمراقبة. كذلك، فإن الشركاء الدوليين يرون أن الاتفاق قد يكون نموذجاً يتبع في التعامل مع أزمة كوريا الشمالية، ويحذرون من أن بيونغ يانغ قد تستخدم إلغاء الاتفاق مع إيران لتبرير وجهة نظرها بالتعنت ورفض أي مساومة على برنامجها النووي، على أساس أن تقديم التنازلات لن يفيد.

الواقع أن هناك الكثير من الحجج التي تسوّق داخل إدارة ترمب وخارجها لعدم إلغاء الاتفاق النووي مع إيران؛ لأنه لا يوجد بديل سوى عمل عسكري نتائجه غير مضمونة، وعواقبه خطيرة على المنطقة والسلم العالمي، ولا يوجد حماس له حتى في أميركا بينما يعارضه بشدة الشركاء الدوليون الآخرون. من هنا، فإن إدارة ترمب قررت ألا تلغي الاتفاق من طرفها، بل تضعه بين يدي الكونغرس لممارسة مزيد من الضغط على طهران، وفي الوقت ذاته تنتهج استراتيجية أخرى للتعامل مع مشكلات السلوك الإيراني المثير للقلاقل والمشاكل، بمعنى أن واشنطن ستنتهج سياسة من مسارين تبقي بموجبها على الاتفاق النووي تحت المراجعة الدورية المستمرة، بينما تفرض إجراءات وعقوبات منفصلة عن موضوع الاتفاق وهدفها كبح جماح طهران، والتصدي لسياساتها العدوانية في الخارج. فالحقيقة، أن الكثير من دول المنطقة ترى أن الخطر الأكبر من طهران يتمثل في سلوكها وتدخلاتها، إلى جانب النمو الكبير في قواتها وقدراتها العسكرية التقليدية، خصوصاً في مجال الصواريخ، وهذه هي المشكلة الأكثر إلحاحاً التي تحتاج إلى معالجة مختلفة واستراتيجية أشمل.

في بعض الحالات، إن لم يكن في أغلبها، كان اضطراب السياسة الخارجية الأميركية عاملاً مساعداً، إن لم يكن سبباً مباشراً في توسع تدخلات إيران الخارجية. العراق أوضح نموذج على ذلك؛ لأن سياسات واشنطن بعد غزو 2003 سلمته على طبق إلى إيران. الأمر ذاته يمكن أن يقال إلى حد كبير عن سوريا التي كانت السياسات الأميركية المضطربة حيال أزمتها سبباً في إطالتها وتعقدها. لهذا، فإن واشنطن تحتاج بالفعل إلى استراتيجية أوسع لا تقتصر على الموضوع النووي، وتوازن بين المفاوضات والحوافز، والضغوط والعقوبات… لكن الأهم من كل ذلك أن تكون منفتحة على التشاور مع دول المنطقة.