لافروف طلب من ظريف مساعدة بلاده والأخير لم يكن متحمساً لإنجاح المبادرة الفرنسية
لم تعد تكهنات بعض المحللين والسياسيين باحتجاز ملف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بيد النظام الإيراني كورقة مهمة من الأوراق الإقليمية للمساومة عليها ضمن صفقة الملف النووي مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مجرّد توقعات أو كلام تهويلي لتحالف «حزب الله» و«التيار العوني»، للالتفاف على المبادرة الفرنسية وتفريغها من مضمونها، بل أصبحت التوقعات واقعاً ملموساً بعدما تمت عرقلة اولى مرتكزات هذه المبادرة بتعطيل مهمة السفير مصطفى أديب بتشكيل حكومة اختصاصيين من قبل «حزب الله»، وبعدها مباشرة بتعطيل مهمة الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة إنقاذية على نفس الأسس والمواصافات من قبل فريق رئيس الجمهورية ميشال عون تحت شعارات ومطالب ملتوية وتعجيزية برغم مرور أكثر من ماية يوم على تكليفه بهذه المهمة.
ما يقال عن خلافات داخلية محضة تتحكم بمسار تشكيل الحكومة العتيدة، يقابله صمت داخلي من الفريق نفسه، فريق «حزب الله» الذي ساهم مع التيار العوني بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لمدة عامين ونصف وقطع الطريق على أي مرشّح توافقي مقبول من كل الأطراف افساحاً في المجال امام انتخاب عون للرئاسة، يمارس اللعبة نفسها، بترك حليفه يتمادى بتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، ويبدو من خلال هذا التعطيل ان هناك مصلحة مشتركة لكلا الطرفين تتلاقى مع بعضها البعض في مكان ما.
فالحزب لا يبدو مستعجلاً لتأليف الحكومة الجديدة بعدما قاربت المفاوضات مع الجانب الأميركي على بداياتها أو تكون قد بدأت وراء الكواليس، والتيار العوني يلعب بهذه الورقة عله يفوز بحصة وازنة بالتركيبة الحكومية يعوض بها خساراته وفشله في إدارة السلطة، ويعيد تعويم شعبية رئيس التيار النائب جبران باسيل التي وصلت إلى الحضيض بفعل ادائه الوزاري والسياسي المتردي وتزايد النقمة الشعبية التي بلغت اوجها بالانتفاضة العارمة ضده وضد العهد على حدٍ سواء.
ولم يعد خافياً دور النظام الإيراني في عرقلة تنفيذ المبادرة الفرنسية بواسطة «حزب الله» خافياً على أحد، لأن الكل يعلم ان المعطل الأساس لهذه المبادرة هو الحزب، بينما يتولى عون وفريقه واجهة التعطيل علناً امام الرأي العام مستفيداً من هيمنة وترهيب سلاح الحزب ضد اللبنانيين والتسلط على الحياة السياسية منذ انسحاب قوات النظام السوري من لبنان في ربيع العام 2005 وحتى اليوم.
وفي ضوء هذا الواقع الذي لم يعد ينكره أي لبناني حريص على وطنه، تجاوز ملف تشكيل الحكومة الجديدة الداخل اللبناني وأصبح التحرّك الى جانب الدور الفرنسي الأساس في هذا الملف منذ بداياته عندما طرح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مبادرته الشهيرة بعد حادث تفجير مرفأ بيروت المشؤوم، إلى الدول المؤثرة والفاعلة بالوضع الإقليمي والدولي وفي مقدمتها روسيا الاتحادية، التي أبدت اهتماماً خاصاً بموضوع تشكيل الحكومة الجديدة وكانت في كل مناسبة تحث الدول المعنية والأطراف الداخليين للإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة لكي تتمكن من القيام بالمهمات المنوطة بها لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان.
وفي هذا الإطار تكشف مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى ان ملف تشكيل الحكومة اللبنانية كان موضع بحث ونقاش بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي زار موسكو مؤخراً، وألح الجانب الروسي على روحاني خلال المباحثات على ضرورة قيام طهران بالمساعدة لتسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، مؤكداً دعم بلاده للرئيس الحريري في مهمته لتشكيل هذه الحكومة بأسرع وقت ممكن لكي تتولى مهمة معالجة الأزمات المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان.
وفي تبريره لموقف روسيا، أكّد لافروف انه لا مصلحة لأي دولة باستمرار الوضع المتدهور في لبنان على حاله ولا سيما على الصعيد الاقتصادي، لأن هذا التدهور إذا استمر على وتيرته الحالية سينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي المتردي اساساً بسوريا نظراً لترابط المصالح بين البلدين ومنها الاقتصادية على وجه الخصوص، وهذا سيؤدي الى إعاقة جهود روسيا لتحقيق المصالحة الداخلية بسوريا وإطلاق عملية إعادة الاعمار وتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
ولكن ما فهمه وزير الخارجية الروسي من نظيره الإيراني، ان طهران ليست متحمسة للعب دور إيجابي لإنجاح المبادرة الفرنسية بلبنان، مبدياً استياء بلاده من مواقف الرئيس الفرنسي السلبية الأخيرة تجاه الملف النووي الإيراني.
والاهم ما قاله ظريف للجانب الروسي، بأن بلاده ليست في وارد التدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية وهي تترك حرية التصرف للأطراف اللبنانيين للتفاهم فيما بينهم للتوصل إلى اتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة، ومع تأكيد طهران دعمها لتشكيل حكومة برئاسة الحريري الا انها لن تمارس أي ضغوط مباشرة أو غير مباشرة على أي من حلفائها بالداخل في هذا الخصوص.
وتضيف المصادر الدبلوماسية: ان فحوى محادثات ظريف بموسكو وهي تقارب مواقف «حزب الله» بالداخل من مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، ما يعني ان ملف التشكيل مؤجل حالياً، بانتظار البت بصفقة الملف النووي مع الإدارة الأميركية، الذي توقعه ظريف ان يبدأ في وقت قريب، بينما يعتقد الجانب الروسي ان هذا الملف لن يبت فيه قريباً وقد يستغرق وقتاً اطول مما تتوقعه طهران، استناداً إلى التعقيدات المرتبطة به، ودخول عوامل ومستجدات إقليمية ودولية عديدة، تتحكم به، خلافاً لما كان عليه الوضع عند اقراره في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.