الملف النووي الإيراني، ملف مثير جداً، تسبّب بجدل كبير منذ بدأت مجموعة الـ(5+1)، وهي مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة – فرنسا – بريطانيا – روسيا – الصين بالإضافة الى ألمانيا، مباحثاتها واجتماعاتها مع إيران في العام 2006 ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
إشارة الى ان اتفاقاً أُبْرِمَ بين الجانبين وإيران بتاريخ 14 تموز عام 2015 في مدينة ڤيينا شمل تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها… هذا الاتفاق تمّ في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما… لكن الرئيس دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق في أيار عام 2018.. وبعد انتهاء ولايته… تجدّدت الاجتماعات لإحياء الاتفاق.
ووسط عمليات أخذ وردّ بين المجتمعين و»هبّه باردة وهبّة سخنة»… أجد نفسي أمام طرح سؤال بديهي هو:
1- لماذا ضربت إسرائيل المفاعل النووي العراقي تموز (اوزيراك) في 7 حزيران 1981 ودمّرته؟
2- لماذا ضربت إسرائيل المفاعل النووي السوري في 21 آذار عام 2007 ودمّرته؟
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تُقْدِمْ اسرائيل على تدمير المفاعل النووي الايراني، خاصة وأنّ إيران ومنذ مجيء آية الله الخميني الذي أعلن منذ تسلمه السلطة بأنّ إسرائيل هي «الشيطان الأصغر» وأميركا هي «الشيطان الأكبر»، تأخذ منحى ظاهرياً ضد إسرائيل… وألغى السفارة الاسرائيلية في طهران وأقام بديلاً لها السفارة الفلسطينية حيث كانت أوّل سفارة لفلسطين في العالم. ولم يكتفِ بذلك بل أنشأ «فيلق القدس» وسلّمه الى اللواء قاسم سليماني الضابط الكبير في الحرس الثوري الايراني. وبالرغم من كل ذلك لا تزال المفاوضات بين أميركا وإيران حول الملف النووي تتنقل من عاصمة الى عاصمة، وفي الفترة الأخيرة عقدت في الدوحة عاصمة قطر مباحثات بين المندوب الايراني علي باقري كني ومعه مجموعة ايرانية ومبعوث الاتحاد الاوروبي انريكي فورا.. كما تواجد في الدوحة أيضاً المندوب الاميركي روبرت مالي… هذه المباحثات نقلت الى الدوحة وأعطي دور لدولة قطر لتحتضن هذه الاجتماعات التي اطلق عليها اسم «اجتماعات» أو «المفاوضات الاميركية – الايرانية» غير المباشرة.
وبالعودة الى تاريخ هذا الملف لا بد أن نطرح بعض التساؤلات البديهية:
أولاً: هل يمثل هذا الملف تهديداً لأمن إسرائيل أو لا؟ بالطبع يمثل تهديداً، ولكن إذا كان هناك اتفاق سرّي تحت الطاولة بين أميركا وإيران فإنّ المعادلات تتغير ويبقى هذا الملف من غير أهمية..
ثانياً: العالم كله يعلم أنّ نظام الملالي الديني الايراني هو من «اختراع» وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر منذ عام 1973 فهو الذي خطط لوصول آية الله الخميني الى السلطة في إيران، إيماناً منه بنظرية ان إسرائيل لا تستطيع أن تعيش وحولها جيوش عربية بعدد كبير من الجنود والضباط ومسلحة بالطائرات والدبابات والصواريخ التي لا يمكن لإسرائيل أن تعيش بسلام بوجودها، وأكبر دليل على ذلك ان اسرائيل حققت إنجازاً عسكرياً تاريخياً حين احتلت خلال ستة أيام عام 1967 الجولان السوري وسيناء المصرية والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، كل هذا في ستة أيام انتصرت فيها اسرائيل على سوريا ومصر والاردن…
ولكن عندما اتفق العرب، أي مصر وسوريا عام 1973 وشُنّتْ حرب على اسرائيل، استطاعت مصر أن تُزيل خط «بارليڤ» الذي كانت اسرائيل تعتبره أهم حاجز لا يمكن تخطيه.. كذلك نجحت سوريا في الوصول الى نهر الاردن، أي بحيرة طبريا، لكن التدخل الاميركي من خلال تهديد مصر بالقنبلة النووية والضغط على سوريا حيث اضطر الجيش السوري الى الانسحاب، ولولا تدخل الجيش العراقي لكانت اسرائيل قد احتلت دمشق… كل هذا أدى الى النتيجة التي نعرفها.
بالعودة الى الملف النووي نستطيع القول وحسب معلومات خاصة: إنّ أميركا تحتفظ بهذه الورقة الى الوقت المناسب.. ما يعني حتى انتخابات «اكتوبر»، ما يعني أيضاً انه مهما حصل من اجتماعات ستحتفظ أميركا بهذه الورقة.
من ناحية ثانية، سوف تتمكن إيران من الحصول على المليارات من أموالها المحتجزة من قِبَل الاميركيين لمواجهة الاوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية 3 أضعاف ما أدّى الى انهيارات جديدة على صعيد العملة الايرانية «التومان».
في النهاية… هذا الملف بيد أميركا وهناك وقت كي تستفيد منه. أما اليوم فإنّ أمام أميركا 3 أسابيع لمجيء جو بايدن الى السعودية حيث سيطلب من السعوديين زيادة كمية الإنتاج… آملاً بأن ينخفض سعر النفط لأنّ المستهلك الاميركي بدأ يتملل من ارتفاع الأسعار بعد مشكلة أوكرانيا والحرب مع روسيا وارتفاع أسعار المحروقات من بنزين وغاز ومازوت عالمياً، وتحاول أميركا أن تؤمن كميات من هذه المواد عسى أن تنخفض الأسعار… وبانتظار الاجتماعات الاميركية في السعودية مع جميع المسؤولين… دعونا ننتظر لنرى ماذا سيحقق من نتائج.