Site icon IMLebanon

المأزق الإيراني وخيارات حزب الله

 

يؤشر موقف المشرف علي خامنئني حول «الخديعة» التي تتعرض لها إيران من قبل الدول الموقعة على الاتفاق النووي، وخصوصاً الدول الأوروبية، معطوفاً على مضمون الخطاب الذي القاه وزير الخارجية محمد جواد ظريف في مؤتمر ميونخ للأمن الى أن إيران بدأت تعترف بأنها باتت تواجه مأزقاً فعلياً على المستويين السياسي والاقتصادي. بدا واضحاً للقادة الإيرانيين ان هناك محاولة جدّية لفرض عزلة شبه كاملة على إيران، وذلك ضمن استراتيجية أميركية ومتكاملة.

يبدو بأن الضغوط التي مارسها كل من نائب الرئيس مايك بانس ووزير الخارجية مايك بومبيو على الأوروبيين للانسحاب من الاتفاق النووي، والاقلاع عن المحاولات الرامية الى الالتفاف على نظام العقوبات الأميركي قد اثارت مخاوف وهواجس القيادات الإيرانية، وهذا ما دفعها الى عدم الاكتفاء بإدانة الهجمة الأميركية والإسرائيلية، التي انطلقت من وارسو وميونخ، بل ذهبت الى اعلان استعدادها لفتح صفحة جديدة من التعاون مع دول الخليج.

في الوقت الذي رفع فيه خامئني وظريف الصوت للتنديد بالتصريحات الأميركية العدائية تحدث الرئيس حسن روحاني في خطاب في إقليم هرمزجان في جنوب البلاد بأن «ايران مستعدة للعمل مع دول المنطقة للحفاظ على الأمن في الشرق الأوسط… نريد إقامة علاقات اخوية مع كل دول المنطقة». واضاف «ان دول المنطقة التي تعتقد أن باستطاعة إسرائيل وأميركا تحقيق الامن مخطئة يجب علينا نحن المسلمين أن نضمن امن المنطقة».

في رأينا يتعارض مضمون خطاب روحاني مع التصريحات السابقة التي كانت قد صدرت عن قيادات سياسية وعسكرية ودينية إيرانية تتبجح فيها بسيطرة ايران على اربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت. كما يثير مضمون الخطاب تساؤلات حول مدى جدية دعوة روحاني للحوار والمصالحة مع الدول العربية، في ظل المواقف المتشددة التي يعبّر عنها خامئني وقيادات الحرس الثوري؟

بعد الغاء الاتفاق النووي بدأ ترامب حملة ضغوط قاسية ومتنوعة ضد ايران، وحلت في صدارتها العقوبات الاقتصادية، والتي استهدفت حتى الآن 147 كياناً وشخصاً ايرانياً. ويسعى ترامب من خلال هذه العقوبات الى اجبار إيران للدخول في مفاوضات نووية جديدة، يأمل من خلالها النجاح في تفكيك البرنامج النووي، والى اضعاف دور الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني. كما يرى ترامب ضرورة قطع كل الموارد المالية عن إيران لاجبارها على تغيير سلوكياتها المزعزعة لأمن المنطقة.

تعتمد استراتيجية ترامب الى جانب العقوبات الاقتصادية، عامل الردع العسكري، حيث تتوعد طهران بالقيام برد الفعل المناسب على كل تهديد يصدر عنها. وكان ترامب واضحاً في هذا الصدد من خلال تغريدة وجهها الى الرئيس روحاني في تموز 2018 بعدم اللعب بالنار». ويرتكز عامل الردع الأميركي على انتشار ما يزيد على 15 قاعدة جوية أميركية حول ايران، بالإضافة الى انتشار 50 الف جندي أميركي في الدول العربية المجاورة، بالإضافة الى قيادة الاسطول الخامس في البحرين، مع حاملتي طائرات تبحران في مياه الخليج وبحر العرب. وتعمل الولايات المتحدة على قطع عائدات النفط الإيراني، ومنع كل التحويلات المالية عبر النظام المصرفي الدولي. وبلغت جهودها المالية ذروتها، حيث عملت مع دولة الامارات لمنع شركات الصرافة من تزويد ايران بالأموال النقدية لاستعمالها في عمليات وتجارية مباشرة.

تعكس المظاهرات التي تشهدها المدن الإيرانية، والهواجس التي تعبّر عنها القيادات السياسية مدى تأثير نظام العقوبات الجديد على اقتصادها بعد أن بلغت نسبة التضخم خلال العام الماضي 70 في المائة.

سيجبر شح العائدات النفطية، والقيود المفروضة على تدفق العملات الصعبة عليها، القيادة الإيرانية على إعادة النظر في سياسة تمويل عملياتها العسكرية في الخارج. اذا صدقت المعلومات التي نشرتها صحيفة الجمهورية قبل أيام حول شح العائدات المالية لدى حزب الله، فان ذلك يمثل دليلاً عن ما يمكن توقعه في المستقبل.

يبقى السؤال الأساسي عن مدى تأثير مثل هذه التوقعات على حزب الله والداخل اللباني؟

اذا استمرت تداعيات الاستراتيجية الأميركية الجديدة، فإن على حزب الله البحث عن خيارات بديلة لاعتمادها مستقبلاً، وابرزها:

الخيار الأول: سحب القسم الأكبر من قوته العسكرية في سوريا، وتخفيف نشاطاته الخارجية، والحد من انفاقه على المشاريع الاجتماعية، من اجل خفض الانفاق المالي، لإطالة أمد صموده الى حين انفراج الأزمة الإيرانية.

الخيار الثاني: استعجال البحث عن استراتيجية دفاعية وطرح مقاربة جديدة لعلاقته بالدولة اللبنانية، وخصوصاً ما يعود لاستقلالية قرار الحزب في السلم والحرب، لقاء تحمّل الدولة للقسم الأكبر من انفاقه العسكري.

الخيار الثالث: الإبقاء على استراتيجيته السياسية والعسكرية الراهنة، واستتنفاد القسم الأكبر من موارده الذاتية، بانتظار تلقف إيران لدعوات ترامب للحوار بحثا عن اتفاق نووي جديد، وترتيبات أمنية إقليمية.

من الصعب التنبؤ بالخيار الذي سيعتمده حزب الله في المرحلة المقبلة، بالرغم من بروز مؤشرات واعدة حول رؤيته للمستقبل في ظل حكومة هي من صنعه.

العميد الركن

نزار عبد القادر