ما الذي يحدث في ايران؟ ما الذي يحدث في العراق؟ ما الذي يحدث في سوريا؟ ما الذي يحدث في لبنان؟ ما الرابط بين ما يجري في البلدان الأربعة؟ الجواب بكلّ بساطة انّ هناك شعوبا سئمت الذلّ وتسعى الى الانتماء الى ثقافة الحياة وان تكون على تماس مع ما هو حضاري في هذا العالم لا اكثر ولا اقلّ.
ما كشفته الثورة المتجدّدة التي تشهدها ايران منذ أيام قليلة انّ شعب هذا البلد يرفض الخضوع للظلم والقمع وعملية افقاره على الرغم من مرور أربعة عقود على اعلان «الجمهورية الإسلامية» وإقرار دستور لا علاقة له بالديموقراطية من قريب او بعيد.
الاهمّ من ذلك كلّه انّ هناك جيلا إيرانيا يعرف تماما معنى العيش في نظام يحرمه الحدّ الأدنى من الحرية الشخصية. هناك في ايران نظام يريد ان يفرض على الناس أمورا لا يمكن ان يقبل بها تخالف تماما طبيعة الايراني العادي الذي يحب اميركا خلافا لكلّ ما يرفع من شعارات في بلد لم يعرف الخير الّا عندما كان على علالقة طيبة مع الولايات المتحدة. نعم، عرفت ايران الخير في الايّام التي كانت على وفاق مع واشنطن وذلك على الرغم من الخطأ الكبير الذي يرقى الى جريمة، والذي ارتكبته الولايات المتحدة وبريطانيا في عهد رئيس الوزراء مصدّق في العام 1953، ردّا على تأميم شركة النفط العاملة في ايران والتي كانت أميركية – بريطانية.
ارتكبت الولايات المتحدة وقتذاك خطأ كبيرا في وقت كان مصدّق منتخبا ديموقراطيا وكانت ايران تتجه الى ان تكون الحياة السياسية فيها في ظلّ دستور متطور قريب جدا من الدساتير المعمول بها في الدول الغربية حيث توجد الحياة الديموقراطية العريقة.
ان الابتعاد الاميركي عن ايران، بعد العام 1979، كان عقابا للشعب الايراني. لا شكّ انّه بقي في ذاكرة هذا الشعب الانقلاب على مصدّق، لكنّ ما لا يمكن تجاهله ان ايران تطورت كثيرا في عهد الشاه محمّد رضا بهلوي الذي اطاحته ثورة شعبية حقيقية في 1979. في أساس تلك الثورة ابتعاد الشاه، وهو ذو شخصية مترددة، عن نبض الشارع ودخوله مرحلة متقدّمة من جنون العظمة بعدما أصيب بالسرطان. عاش شاه ايران خمس سنوات، بين 1974 و 1979 وهو يعالج سرّا من سرطان. ذهب في نهاية المطاف ضحيّة العزلة التي عاشها في وقت كان عدد لا بأس به من الضباط يحذرّونه من النتائج المترتبة على التساهل مع بعض الظواهر التي كان يقف وراءها رجال دين متطرفون يسعون الى السلطة بايّ ثمن كان…
لا تشبه حال القيادة في ايران في الوقت الراهن غير الحال التي سادت في السنوات الأخيرة من عهد الشاه. يعيش «المرشد» في عزلة عن الشعب الايراني الذي يريد العيش في بلد متحضر يرسل ابناءه للتعلّم في احسن جامعات العالم، بما في ذلك الجامعات الاميركية والفرنسية التي تخرج منها عدد لا بأس به من رجالات الثورة الايرانية. كان هؤلاء ينتمون الى تيّار معتدل هو «حركة حرّية ايران» التي تأسّست في العام 1961.
لكنّ القيادة الايرانية تشبه أيضا حكام العراق وسوريا وقسما لا بأس به من حكام لبنان الذي يعاني بدوره من السطوة الايرانية ومن تحوله رهينة ميليشيا مذهبية مسلّحة تابعة لإيران.
مثلما ان العراقيين لا يريدون السماع بالنفوذ الايراني في بلدهم، فانّ الايرانيين انفسهم يعترضون على صرف أموال النفط الايراني على «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في غزّة وعلى «حزب الله» في لبنان. ما يريده الايرانيون هو عودة بلدهم دولة طبيعية تهتمّ بشؤون شعبها وتصرف الدخل النفطي عليه وليس على ميليشيات لا همّ لها سوى الاستحواذ على السلطة كما حال «حزب الله» في لبنان و»حماس» في قطاع غزّة.
ما يحدث في العراق شبيه بما يحدث في ايران. هناك نظام فاسد لم يعد مقبولا من المواطنين العاديين. ما كشفته الوثائق المسرّبة التي نشرها موقع «انترسبتر» الاميركي عن التدخلات الايرانية في العراق ليس سرّا عسكريا. هناك منذ العام 2003، تاريخ تسليم اميركا العراق على صحن من فضّة الى ايران، تركيز إيراني على العراق بغية تحويله مستعمرة تدار من طهران. هذا ما يرفضه العراقيون، بما في ذلك الشيعة العرب. ما يحدث في العراق هو الفشل الأكبر لإيران التي لم تستطع الذهاب الى النهاية في مشروعها القائم على استخدام الغرائز المذهبية لتحقيق اهداف سياسية.
هذا ما لا يراه حكّام ايران وما لا يراه حكّام العراق وما لا يراه بشّار الأسد الذي يعتقد انّ هناك مستقبلا لنظامه بمجرّد انّه غيّر جزئيا طبيعة التركيبة السكانية لسوريا وهجّر منها مئات آلاف السنّة إرضاء لإيران.
ما نشهده حاليا هو فشل المشروع الايراني القائم على تغيير طبيعة العراق وسوريا ولبنان حيث ما سقط، نتيجة الثورة الشعبية الحقيقية المستمرّة منذ السابع عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر الماضي، هو «عهد حزب الله» ولا شيء آخر غير ذلك.
ما يجمع بين حاليا بين ايران والعراق وسوريا، وحتّى لبنان، هو حال الانفصام عن الواقع لدى الحكّام. ليس طبيعيا ان تعيش ايران في ظلّ عداء مع اميركا. الايرانيون العاديون يحبون اميركا والقيم الاميركية. لا يستمع الشباب الايراني سوى الى الأغاني والموسيقى الاميركية. ليس طبيعيا ان يترحّم العراقي في عهد عادل عبد المهدي على عهد صدّام حسين وان لا يكون من حنين لدى كبار السنّ في العراق سوى الى العهد الملكي بما كان يمثله من قيم حضارية. ليس طبيعيا ان تكون سوريا تفتت فيما المقيم في مقر الرئاسة لا يريد اخذ العلم بانّ الامل الوحيد المتبقي لبلده هو الرحيل لعلّ ذلك ينقذ ما يمكن إنقاذه… في حال كان هناك ما لا يزال في الإمكان إنقاذه.
أخيرا، ليس طبيعيا ان يعاني لبنان من انهيار اقتصادي معروف ان في أساسه رغبة ايران في وضع يدها على البلد كي تحوله الى ورقة، بين أوراق أخرى، تتفاوض بها من مركز قوّة مع «الشيطان الأكبر». ما دامت ايران تريد الوصول الى «الشيطان الأكبر» وعقد صفقة معه، لماذا تفعل ذلك على حساب ايران نفسها، فضلا عن العراق وسوريا ولبنان… واليمن.
من المفيد بين حين وآخر الاستعانة بالمنطق. المنطق يقول ان ليس لدى ايران ما تصدره غير السلاح والميليشيات المذهبية التي تنشر البؤس حيثما حلت. لا يمكن لمشروع مثل المشروع الايراني النجاح لسبب في غاية البساطة. هذا ما تؤكده الاحداث الأخيرة في المدن الايرانية. تؤكد هذه الاحداث ان المشروع الايراني، الفاشل أصلا، ارتدّ على ايران…