Site icon IMLebanon

ساحة وأقدار

 

لسنا بحاجة الى تحليلات سياسية وعسكرية معمّقة ولا الى رسم خرائط واختراع مصادر واستعانة بالمنجّمين وعلماء الفلك للقول ببساطة شديدة ان احتمالات الحرب قائمة في المنطقة اليوم أكثر من أي وقت مضى. هذه بديهة يعرفها كل من يستمع الى الأخبار ويدرك بحسّه السليم وتجربته “إن الحربَ أوَّلُها شرارُ” وأن ثوب لبنان موصلٌ جيد للحرارة وقابل للاحتراق.

 

ولأن تدمير الهيبة أصعب من الخسارة المادية، يمكن أن تتقدم مشاعر الانتقام على حسابات الربح والخسارة. فمقتل أبو القنبلة النووية في طهران ليس مجرد خسارة علمية للنظام الإيراني يمكن تعويضها بعقول مبدعة، إنه صفعة في وجه سلطة الملالي التي تملأ عقول مواطنيها ومريديها بالكرامة والبطولات بدل ملء ثلاجاتهم بالمأكولات، وتستطيع أخذهم الى الخيارات المؤلمة بغض النظر عن التضحيات.

 

تمارس إيران حتى اليوم ضبطاً للنفس توهمُ فيه “المحور الممانع” بأنه “صبرٌ استراتيجي” واعدةً اياه بفرَج قريب يأتيها من غيب تراهن عليه، فيما الواقع يوضح عجزها عن المبادرة وسكوتها مكرهة على الضيم. لكن قد يكون للصبر حدود بعدما وصلت موسى اسرائيل الى ذقن “الجمهورية الاسلامية” بتجاوزها الخطوط الحمر وتخطيها كل محظور.

 

يحق للبنانيين أن يقلقوا جدياً حتى مغادرة ترامب البيت الأبيض بعد خمسين يوماً. فهي فترة قد تكون مليئة بالمفاجآت. وهم يدركون أن “الحَبَل” في إيران يمكن ان يتسبّب بولادة في لبنان. ذلك ان العلاقة بين “حزب الله” ونظام ولاية الفقيه ليست وشائج محبة ودعماً عسكرياً ومادياً وسياسياً فحسب، ولا “الحزب” مجرد أداة أو ذراع، بل هي تلاحم مصيري تحكمه العقيدة والايديولوجيا وما يتفرع عنهما من التزامات دينية ودنيوية، واغتيال محسن فخري زادة في طهران له وقعٌ لدى “حزب الله” كأنه حصل في ضاحية بيروت.

 

لن يجيب عن مخاوف اللبنانيين الا القَدَر، لأن لا دولة لديهم تمسك بقرار السلم والحرب في الأساس، ناهيك عن انزلاقهم الى وضع دمرت فيه منظومة السلطة الفاسدة كل مناعة تجعلهم بمنأى عن صراعات الاقليم. صحيح ان طهران تحسب ألف حساب قبل تنفيذ وعدها بالرد على اسرائيل، لكن الأخيرة تمارس، منذ نفَّذ ترامب تصفية سليماني، سياسة الاستفزاز والاستدراج لإيران و”حزب الله” على السواء. وغاراتها الأربعون على ميليشياتها في سوريا دليل ساطع على سلوك لا يكتفي بتغيير قواعد الاشتباك بل يضع خططاً كاملة لحرب معروفة الأهداف ومجهولة الاتساع.

 

يدخل في باب التفاصيل هل يفضل “حزب الله” توقع المفاجآت والاحتمالات من دون حكومة تقيّد مواجهته ونوعيتها اذا اقتضت متطلبات محور طهران، أم انه يفضل حكومة يتحكم برئيسها ويؤمِّن تغطيتها في المُلمَّات. فأساس الموضوع هو ان لبنان وشعبه ساحة مُباحة في غياب دولة سيدة وقيادة مسؤولة، وفي غياب حياد بات شديد الالحاح سواء حصلت المواجهة أم بقيت مؤجلة الى “الوقت المناسب” وفي إطار العنتريات. هذا موضوع يستحق ان يجتمع لأجله مجلس النواب بدل مسرحية “التدقيق الجنائي” ومسخرة قانون جديد للانتخاب.