المعادلة القائمة اليوم بين ايران من جهة والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من جهة أخرى: لا حرب ولا سلم. أما التحدّيات المستجدة فتشمل حرب «ناقلات النفط» على طول الخط البحري الممتد من بحر العرب حتى مضيق هرمز.
لكن نقطة التحوّل في الأسبوع المنصرم كانت إحتجاز البحرية البريطانية ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق، بعد اتهامها بانتهاك العقوبات المفروضة على سوريا، فلوّحت طهران بإجراءات تشمل اعتراض ناقلات نفط بريطانية، وهذا ما يُعتبر امراً واقعياً لأسباب عدة:
أولاً، لم يعد لدى ايران ما تخسره، والردّ باستهداف ناقلات النفط التابعة للبريطانيين سيكون عادلاً وضمن شروط اللعبة، من دون الانزلاق إلى حرب. وإيران مستعدة لتحمّل نتائج ردّها لأنّها لا تملك فعلاً أي شيء تخسره في هذه المرحلة، بدليل انّ اقتصادها يعاني من الانكماش بنسبة 6 في المئة هذه السنة، كل ذلك بسبب العقوبات الاقتصادية القاسية التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران، بعد انسحابه من الاتفاق النووي، إضافة إلى ارتفاع شديد في معدلات البطالة والتضخّم بلغت ما لا يقل عن 40 في المئة.
ثانياً، الردّ الإيراني على البريطانيين سيكون مماثلاً لضربات سفن الفجيرة وناقلتي النفط اليابانية والنروجية وإسقاط طائرة الاستطلاع الأميركية، أي استخدام تكتيك إيراني يستوفي المعايير الدقيقة والموضوعية بتجنّب قتل المدنيين وعدم الحاق الأضرار البيئية مثل تسرّب النفط، مما لا يؤدي إلى ردّ فعل عسكري ضخم. وتستغل إيران بذكاء عدم رغبة الولايات المتحدة وبريطانيا بشن حرب كبيرة، علماً انّ ترامب نفسه وصف حوادث ناقلات النفط بـ»البسيطة جداً»، وهجمات من هذا النوع – برأيه – لا تستحق الذهاب إلى حرب.
ثالثاً، لا مفرّ من ردّ إيراني، لأنّ القيادة الإيرانية غالباً ما حذّرت اذا لم تتمكن من تصدير نفطها فلن تسمح لأي دولة بإجراء ذلك. ولعلّ سيطرتها على مضيق هرمز، الممر المائي الذي يستقبل 30 في المئة من حركة النفط العالمية، تجعل تهديداتها واقعيّة. ولن تتأخّر بتوجيه رسالة للبريطانيين، بأنّ السلام والأمن في سوق النفط مرهونان باستقرارها الاقتصادي.
رابعاً، تفضّل ايران «حرب ناقلات النفط» وتعتبرها من الحروب غير التقليديّة التي تلحق اضراراً كبيرة بالمصالح الغربية بتكلفة مالية منخفضة إلى حد ما، وهو أمر لا ينطبق على القوات البريطانية لعدم وجود إرادة سياسية بالمواجهة حتى النهاية.
خامساً، تمتلك إيران تاريخياً قوة عسكرية بحريّة كبيرة جداً، طوّرتها منذ الحرب العراقية – الإيرانية وخصوصاً الخبرة في زرع الألغام البحرية والتدرّب على وسائل غير تقليديّة للاستيلاء على ناقلات نفط أو مهاجمة سفن بحرية، وهي تتمتع بالإحتراف في هذا المجال.
لا يمزح الإيرانيون في تهديداتهم للبريطانيين. وقال قائد في الحرس الثوري الإيراني محسن رضائي: «اذا لم تُفرج بريطانيا عن ناقلة النفط الإيرانية سيكون على السلطات الإيرانية واجب احتجاز ناقلة نفط بريطانية». والأيام المقبلة ستؤكّد المؤكّد.