Site icon IMLebanon

“الجماعة الإسلامية” تجاوزت “قطوع” عكار… ولكن

 

سعت قيادة «الجماعة الإسلامية» إلى لملمة تداعيات ما رافق تشييع قياديَّيها في عكار، مصعب سعيد خلف وبلال محمد خلف، من ظهور مسلّح وإطلاق نار منفلت من عقال التنظيم والقانون والشرع، وعملت على تحديد الخسائر السياسية التي غيّبت حقيقة مشاركة آلاف المشيعين في الجنازة وغطّت على توافد نواب وفاعليات عكار والشمال لتقديم واجب العزاء وعلى المواقف التي صدرت من المرجعيات الدينية وممثليها. كما أنّها أعاقت المسار السياسي الذي خطّته قيادة «الجماعة» بالانفتاح على القوى السيادية فكان حضور النائب أشرف ريفي إلى مركز «الدعوة» في طرابلس وإلقاؤه كلمة جامعة بداية جسر الهوة وتهدئة الخطاب الهجومي من البعض على الجماعة، بينما جاءت زيارة وفد «الجماعة» لمفتي الجمهورية لتفتح الأفق نحو التعاون في إغاثة المناطق الجنوبية المنكوبة.

 

جاء لقاء «الجماعة» مع المفتي دريان مفصلياً في الشكل والمضمون، وهو الأول بعد إشكالية عكار وقد ساده جوٌّ من الإيجابية والتناصح حول كيفية تجنّب الشوائب التي ظهرت في الآونة الأخيرة، حيث أبدى مفتي الجمهورية تقديره لدور الجماعة التاريخي وأوصى بالحذر لحماية المجتمع السني واللبناني من مشاريع الفتن التي تطل برأسها بأشكال مختلفة، وانتهى الاجتماع الذي دام أكثر من ساعة بالاتفاق على توحيد الجهود لإغاثة القرى الحدودية في الجنوب.

 

تعترف «الجماعة» بصعوبة الموقف الذي تتّخذه في هذه المرحلة، وهي التي تريد الجمع بين تمسكها بالدولة والقانون وشرعية الجيش اللبناني، وبين ما تراه ضرورة دفاعية في الجنوب، مع تمايز متزايد عن «حزب الله» خاصة بعد أن ذهبت حركة «حماس» إلى الإعلان عن قبولها حلّ الدولة الفلسطينية (حلّ الدولتين) واستعدادها لإلقاء السلاح في إطار مسار يؤدي إلى إقامة هذه الدولة، في تطوّرٍ يتلاقى مع الطرح العربي الذي تقوده السعودية ومعها مصر وقطر، بينما لا يزال الخطاب والموقف الإيراني، ومعه «حزب الله» بعيداً في الظاهر على الأقل من هذا المشروع.

 

ولدى التدقيق في المشهد العكاري والشمالي يتبيّن أنّ «الجماعة» تمكّنت من احتواء الموقف وذلك من خلال سلسلة من اللقاءات والاجتماعات والبيانات التي صدرت عن دار الفتوى ودائرة الأوقاف الإسلامية في عكار ونوابها، وعن المطران باسيليوس منصور والمطران يوسف سويف، وذلك بعد تحذير عن عقد لقاء نيابي سنّي في دار الفتوى تكون غايته عزل «الجماعة».

 

وقع الاحتكاك الأبرز مع «الجماعة» من النائب أشرف ريفي الذي سبق أن أصدر بياناً مشتركاً مع النائب الأسبق مصطفى علوش قاسي اللهجة، لكنّ ريفي ما لبث أن قام على رأس وفد شعبي كبير بتقديم واجب العزاء في مركز «الجماعة» في طرابلس. وحسب أوساط مطّلعة فإنّ التواصل بين الجماعة وريفي دخل مرحلة إيجابية ستتبلور في الفترة المقبلة.

 

في النقاش الذي أثاره النائب ريفي تبرز ملاحظة هامة في سياق البحث عن مكانة الدولة وأجهزتها الأمنية وذلك للعبور إلى عمق المسألة بالسؤال عمّن يمتلك القرار السياسي والاستراتيجي في البلد، مع تسجيل أنّ أدء الجيش اللبناني بقيادة العماد جوزف عون قد اختلف في كثير من المفاصل الحساسة (الطيونة، خلدة…)، لكنّه محكوم بالقرار السياسي، وهذا يعني أنّ النقاش المُجدي هو في كيفية الاجتماع على رؤية موحدة لاستعادة الدولة وإرساء التوازنات الوطنية المانعة خطفها من طرف واحد أياً كانت هوية هذا الطرف، وكيف يمكن لـ»الجماعة الإسلامية» أن تكون في هذا الجانب الذي تعلن وقوفها فيه؟

 

تعرّضت العلاقة بين الجيش و»الجماعة» لانتكاسة بعد واقعة عكار وقد أبدى رئيس المكتب السياسي لـ»الجماعة» علي أبو ياسين الاستعداد للتعاون مع قيادة الجيش للتحقيق ومحاسبة مطلقي النار وإنهاء ذيول هذا الحادث، وقد أرسلت «الجماعة» رسائل في هذا الاتجاه إلى قيادة الجيش. وأثبتت حادثة عكّار أنّ لـ»الجماعة» وزناً وحضوراً، وحريّ بقيادتها أن تُحسن استثمار هذا الالتفاف الذي حظيت به رغم كلّ ما ما تعرّضت له من حملات انتقاد… وهنا تبرز نقطة القوة والضعف في آن، فنصرة فلسطين ما زالت تحظى بالتأييد الواسع في المجتمع السنّي، وهذا ما منح «الجماعة» قوّة إضافية لكنها لا تستطيع الاستمرار في خوض هذا النوع من التحديات بل هي ملزمة بالتوقف عند ما جرى منذ تفعيل «قوات الفجر» حتى اليوم، لتصل إلى الخلاصات السياسية والاجتماعية والأمنية الواضحة، المفضية إلى حوارات الشراكة الوطنية المنتظرة.