يوما بعد يوم تتضح الحقائق المخيفة بالنسبة للشعب الاسرائيلي، مع انكشاف الفرق الكبير مع ما يسمعونه عن استعدادات وقدرات «للجيش الذي لا يقهر» وبين الواقع في ظل تراجع جاهزية هذا الجيش وكفاءته خلال السنوات الاخيرة، اذ لم يعد كما كان عليه في السابق، ولم يعد جاهزاً لخوض الحروب.يؤكد هذه النظرية تقرير مراقب دولة اسرائيل الذي سربت مقتطفات منه الى الاعلام، كانت كفيلة «باشعال» الانتقادات المرشحة للتزايد خلال الايام القادمة، وللاستثمار في المعركة الانتخابية، الدائرة بين محوري الامن من جهة والاقتصاد والاجتماع من جهة ثانية.
وبحسب المعلومات المنشورة فان عملية الفحص والتحقيق التي قام بها مراقب الدولة تشمل في الفترة الممتدة ما بين كانون الثاني 2013 وآذار 2014، شملت مدة الاستعداد والجهوزية في صفوف قوات الاحتياط لخوض الحرب القادمة عموما، وجنود الاحتياط الذين يخدمون ضمن الوحدات البرية خصوصا، إضافة لفحص مدى ملائمة مخازن الطوارئ والعوامل الخاصة بمدة لياقة القوات ومنظومة الاحتياط برمتها.
التقرير، بحسب الاذاعة الاسرائيلية، خلص إلى نتيجة عامة مفادها أن منظومة الاحتياط غير كفوءة، رغم مباشرة القوات البرية منذ عام 2010 بتنفيذ خطة تدريب ثلاثية بهدف رفع نسبة الاستعداد التي تخضع لها قوات الاحتياط خاصة تلك العاملة على الجبهات، نتيجة عدم وفاء رئاسة الاركان بشكل كامل بمتطلبات خطة التدريب المذكورة عموما، وبخاصة ما يتعلق بتدريب الألوية، كما انه لم يجر تنفيذ جزء من تدريبات الكتائب المقررة والمخططة، فيما تم تقليص زمن تدريبات أخرى أو تقليص الموارد المالية الخاصة بهذه التدريبات.
المراقب الذي أشار إلى أن حجم القوى البشرية في كتائب الاحتياط تتخطى في بعض الوحدات عشرات أضعاف المستوى المعياري المقبول، اضاف أن محتوى ومضمون البرامج التدريبية لا يسمح بفحص وتطوير كافة القدرات المطلوبة، ما ادى الى فشل تلك الوحدات في تأمين التدريب المستمر والمتواصل لجزء كبير من الجنود، موجدا فجوات كثيرة في مستوى الاستعداد والجاهزية والتهيؤ بين وحدات الاحتياط بما قد يمس بقدرتها على القيام بمهامها، علما ان الميزانية المخصصة لا تكفي لتدريب أكثر من 80% من القوى البشرية، ما يفرض على الجيش وضع خطة لفحص احتياجات اللياقة البدنية لجنود الاحتياط وتحديد سبل جعلهم على درجة ومستوى من اللياقة المناسبة والمطلوبة، ضمن الموازنات المتوافرة.
كما جاء في التقرير أيضا أن جميع قادة الكتائب وغالبية قادة الألوية الذين انهوا مهامهم في الفترة الواقعة ما بين 2011-2013 امضوا في خدمتهم اقل من ثلاث سنوات، ما يعني بأنهم لم يتولوا قيادة كتائبهم وألويتهم لدورة تدريبية كاملة وفي بعض الأحيان لم يقودوا نهائيا أي تدريب على مستوى الكتيبة أو اللواء وذلك رغم مطالبتهم المستمرة بذلك.
وكشف التقرير عن مشكلة اخرى خطيرة، طرحت على جدول النقاش العام أكثر من مرة في الماضي، خاصة بعد فشل وإخفاق حرب اكتوبر عام 1973 وفي أعقاب حرب لبنان الثانية عام 2006، تتمثل في الفجوة العميقة القائمة بين وحدات مخازن الطوارئ التابعة للجيش، لجهة نسبة الإشغال البشري المتدنية في هذه الوحدات، إضافة إلى فجوات تتعلق بمستوى الاحترافية وملائمة وسائل النقل والإطارات التي أصبحت منتهية الصلاحية، والتخلف عن إجراء الإصلاحات وأعمال الصيانة المطلوبة للمركبات المصفحة القتالية. وفي هذا المجال بالذات أشار المراقب الى عدم جاهزية التجهيزات القتالية ومستوى صيانتها وتعهدها بين وحدات الاحتياط أثناء فترات الهدوء، ما يخلق اشكاليات خطيرة تهدد القدرات الخاصة بتقديم الدعم والانتقال من ساعات الهدوء إلى ساعات الطوارئ.
واظهر تقرير المراقب أن عام 2010 شهد تنفيذ 93% من برامج التدريبات المخططة، فيما تم تنفيذ 83% من هذه التدريبات عام 2012 وفقط 46% من التدريبات الخاصة بالقادة والسبب في هذا التراجع، وفقا للجيش يعود إلى نقص الميزانيات إضافة لعملية «عامود السحاب» ضد قطاع غزة.
وتشير معطيات المراقب إلى إلغاء أو تقليص الكثير من التدريبات الخاصة بوحدات الاحتياط عام 2013، كما تم وقف نصف التدريبات على مستوى الألوية وتنفيذ 75% فقط من تدريبات الكتائب جرى 20% في ظل تقليص حجم التدريب والإمكانيات المادية المخصصة له إضافة إلى إلغاء أوامر لاستدعاء وحدات احتياطية للقيام بمهام الأمن اليومي، مسجلا ملاحظة مفادها أن الجيش أعلن في تموز 2014 عن وقف تدريبات القوات البرية الاحتياطية بسبب تقليص الميزانيات.
يشار إلى أن لجنة داخلية في الجيش حددت حاجة الجيش الاحتياطي الى مبلغ 600 مليون شيكل سنويا لإجراء التدريبات، لكن الميزانية في عام 2013 بلغت 581 مليون شيكل، وانخفضت في 2014 الى 376 مليون.
التقرير الذي يحقق أيضا في الصناعات الجو – فضائية الإسرائيلية، التي منيت بخسائر كبيرة بلغت نحو عشرات ملايين الدولارات بسبب إخفاقات في التطوير والتصنيع، فضلا عن الاخفاقات في معالجة جرحى الجيش المعاقين والمحاربين السابقين المصابين وغيرها، عبر أيضا عن قلقه من عدم تطور حماية المواقع المدنية الحساسة في اسرائيل، التي تتحول إلى أهداف مركزية في الصراعات العسكرية المستقبلية لاسرائيل، كاشفا ان القيادة السياسية لم تقدم إجابة حقيقية لتصحيح الأخطاء التي تم الكشف عنها في تحصين منشآت حيوية ضد التهديدات على الرغم من ذكر تلك الأخطاء في تقرير سابق قبل أربع سنوات، وفشل الخطط المنهجية المتبعة الى احراز اي خطوات فعلية على هذا الصعيد رغم تحول الجبهة الداخلية الى هدف أساسي لأعداء إسرائيل، اذ لم يتم تطبيق جميع قرارات اللجنة الوزارية لشؤون الجبهة الداخلية في ظل غياب الرؤية بما يتعلق بالبنى التحتية الوطنية الحيوية». لذلك حث مراقب الدولة، رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو على تشكيل خطة دفاع عن المواقع الحساسة في إسرائيل، طالبا الى وزير الدفاع تعيين مسؤول لتنفيذ الخطة من أجل حماية الأمن القومي، بعدما عادت مسؤولية حماية الجبهة الداخلية اليه، مع الغاء «وزارة دفاع الجبهة الداخلية» نيسان الماضي، والتي انشئت عام 2011 بموازنة كبيرة نسبيا وزودت بفريق عمل ومقار نتيجة فشلها في إحداث أي تقدم، بسبب غياب الصلاحيات.
من هنا اوصى شابيرا، رئيس هيئة أركان الجيش بتخصيص ميزانية تدريبات لجنود الإحتياط، طالبا من وزير الدفاع الموافقة على المتطلبات، على ان تعرض على الحكومة لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، لان عدم القيام بذلك «يضر بقدرة الإشراف على درجة جاهزية جنود الإحتياط، من قبل الكنيست والقيادة السياسية كما هو مطلوب وفقا للقانون».
يقول «آري شابيط» في توصيفه للواقع ان دولة الخصخصة، في مجتمع تسوده الفوارق الاجتماعية، لا تستطيع انتاج القوة التي استطاعت اسرائيل الفتية انتاجها، فالايديولوجية القومية وسياسات الصغائر والرأسمالية القاتلة تأخذ ثمنا في ساحة الحرب ايضا. ان الأجراس التي تقرع في بداية 2015 تقرع بقوة، ما لم يحدث تغيير سريع وأساسي وشامل، فان قدرة اسرائيل على أن تكون مجتمعا مقاتلا وصادقا يستطيع الدفاع عن وجوده، في خطر حقيقي.