بعد عملية طوفان المسيّرات والصواريخ الجوالة والباليستية، التي أطلقتها إيران باتَّجاه إسرائيل، أصبح الردُّ الإسرائيلي على هذه العملية، حتى ولو كانت فاشلة، أمراً حتميَّاً. لذلك لا بدَّ من استعراض أنواع الردِّ الإسرائيلي المتوقع على هذه العملية، التي برهنت أنّ إيران، بخلاف ما توحي به من تصريحات قادتها، هي عبارةٌ عن نمرٍ من ورق للأسباب التالية:
– تنسيقها المسبق مع الولايات المتحدة الأميركية للقيام بالعملية، وطبعاً بعلمٍ إسرائيلي، وكأنها تهدفُ من وراء ذلك إلى توجيه رسالةٍ ساخنة إلى إسرائيل، بحجمٍ إعلاميٍّ كبير وفعاليةٍ دنيا تفادياً لردةِ الفعل الإسرائيلية.
– بعد إطلاق المقذوفات، وحتى قبل أن تعبر سماء العراق، صدرت مواقف لبعض قادة إيران تقول: «نحن نكتفي بهذا الحجم من الردّ»؛ وكأنهم يطلبون عدم الردّ بالإكتفاء بما حصل واعتبار المعادلة متوازنة.
– إنعدام عنصر المفاجأة، الذي يُعتبرُ أساسيَّاً لنجاح العمليات العسكرية، خاصةً في عملٍ مماثل.
بالمقابل، هل تكتفي إسرائيل بالنجاح السلبي في هذه العملية، عندما لم تتعرض لأي أضرارٍ من جرّاء عملٍ عسكريٍّ بهذا الحجم؟ أم أنها تعتبره، حتى ولو لم ينجح، سابقة خطيرة لا يمكن التغاضي عنها، حتى لا تُشجِّع إيران أو البعض للقيام بعملياتٍ مماثلة في المستقبل؟
طبعاً في الإستراتيجية الإسرائيلية، لا يمكن السكوت أو التغاضي عن هكذا عملية وكأنها لم تكن، من دون توجيه رادعٍ معنوي لتفادي عملياتٍ مماثلة. لكن أين، متى وكيف؟ الخيارات المفتوحة أمام إسرائيل عديدة ويمكن تلخيصها في محورين: خارجي ضد أذرع إيران في المنطقة، وداخلي فوق الأرض الإيرانية.
الخيار الأول الخارجي على أذرعها في المنطقة أو على أسطولها البحري، قد لا يفي بالغرض الإعلامي أو المادي أو المعنوي؛ لذلك فالخيار الأمثل هو في مهاجمة أهدافٍ فوق الأرض الإيرانية بحيث تؤمن:
– عمليَّاً التفوُّق العسكري لإسرائيل بضربِ أهدافٍ عسكرية، كمصانع المسيرات والصواريخ، قيادات عسكرية للحرس الثوري الإيراني، هجوم سيبراني يتسبب بأضرار كبيرة أو عمليات اغتيال لشخصياتٍ عسكرية أو مدنية أو علماء نوويين فوق الأرض الإيرانية.
– إحترام رغبة الرئيس الأميركي الذي توجه إلى نتنياهو بعبارة «توخّي الحذر»، والتي يمكن تفسيرها بالموافقة مع الإنتباه لعدم الإضرار بالشعب الإيراني، الذي تحرِصُ الولايات المتحدة الأميركية على عزله عن النظام؛ أو التعرُّض مثلاً للمنشآت النووية الإيرانية بعملية ردعٍ محدودة، قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع في الشرق الأوسط، ولا تحلُ المسألة النووية الإيرانية، والتي قد تتطلَّب معالجتها أكثر من ردة فعلٍ عسكرية، إنما عملاً عسكرياً جماعيّاً أكبر إذا لم تُحلُّ هذه المسألة سلميَّاً.
وهكذا تثبت إسرائيل للعالم أنها ليست في وارد معاقبة الشعب الإيراني، كما توقع البعض من ردة فعلها الأولية والمباشرة؛ كما تثبت لحلفائها باحترام رغبة هؤلاء الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية؛ وأخيراً تثبت بردِّها المدروس والموزون، إنّها الفريق العسكري الأقوى والرادع لإيران في أية مغامرة مستقبلية.
(*) نائب سابق في «تكتل الجمهورية القوية»