يعيش لبنان مرحلة من الترقّب والإنتظار، مع توعّد العدو الإسرائيلي بضربة محتملة عليه، إثر سقوط صاروخ على ملعب لكرة القدم في بلدة مجدل شمس الدرزية في الجولان السبت الفائت، ومقتل 12 شابّاً وشابّة (تتراوح أعمارهم بين 10 و20 عاماً). وفي ظلّ اتهام “الإسرائيلي” حزب الله بتنفيذ هذه الضربة على المدنيين من بلدة شبعا، نفى الحزب هذا الإدعاء الكاذب، وأعلن أن “لا علاقة له على الإطلاق بحادثة مجدل شمس”. غير أنّ رفض العدو نفي حزب الله إطلاق الصاروخ (الذي لا يزال مجهول المصدر في ظلّ مطالبة البعض بتحقيق مستقلّ وبلجنة تحقيق دولية للكشف عن مصدره)، يجعل الإرباك سيّد الموقف، لا سيما مع كلام مسؤولين “إسرائيليين” عن “أنّ الردّ على الهجوم قد يكون غير مسبوق”. فهل ستكون الضربة “الإسرائيلية” المرتقبة كبيرة وموسّعة وإنتقامية، تطال المنشآت والمرافق والمدنيين في لبنان؟ أم ضربة عسكرية محدودة تُحيّد المدنيين، في ظلّ تواصل الإتصالات الدولية للحدّ من قوّتها؟!
أوساط ديبلوماسية متابعة أكّدت أنّ أحداً لا يُمكنه التهكّن بما قد يقوم به رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي يتخذ من سقوط الصاروخ على المدنيين في مجدل شمس ذريعة لتنفيذ الضربة التي ينوي القيام بها على لبنان منذ اشهر، رغم كلّ الضغوطات التي تُمارس عليه لعدم توسيع الحرب على لبنان. وأتى بيان البيت الأبيض ليتبنّى الإدعاء “الإسرائيلي”، بأنّ حزب الله هو من أطلق الصاروخ، ليغطّي أي ضربة “إسرائيلية” محتملة. رغم ذلك، رفضت عائلات الضحايا في مجدل شمس في الجولان السوري المحتلّ طلب نتنياهو لترتيب لقاء لتقديم التعازي، كما طردوا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من التشييع.
ولكن في الوقت نفسه، إنّ أخذ الوقت في التفكير بهذه الضربة، بعد مسارعة نتنياهو الى العودة من واشنطن الى “تلّ أبيب” إثر حادثة مجدل شمس، تعني أنّ “الإسرائيلي” لا يزال يحسب ألف حساب لأي خطوة سيقوم بها. فكلام الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله عن أنّ أي ضربة سيكون مقابلها ضربة مماثلة، تجعل نتنياهو يتريّث بعض الشيء. وتقول المعلومات بأنّ الإتصالات الأميركية التي تلت سقوط الصاروخ، من قبل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بالمسؤولين اللبنانيين، فضلاً عن المحادثات التي يجريها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أيضاً مع الداخل والخارج، تؤكّد على احتواء الأزمة وعدم توسيع الحرب. علماً بأنّ المطلوب اليوم الضغط على “الإسرائيلي” لعدم اتخاذ قرار التصعيد، وليس على الحزب الذي سيردّ حتماً على أي ضربة.
ويبدو، على ما كشفت الأوساط نفسها، أنّ الداخل “الإسرائيلي” يتحدّث عن “ضربة عسكرية محدودة”، وليس عن ضربة موسّعة تطال ضاحية بيروت الجنوبية والمنشآت والمرافق مثل مطار بيروت الدولي ومرفأ بيروت وسواهما، لأنّ أي ضربة موسّعة سترتدّ على الداخل “الإسرائيلي”، على ما أعلن السيد نصرالله. وإذا كان اللبنانيون مُربكين اليوم وقلقين ويخشون من أي ضربة على لبنان، فإنّ “الإسرائيليين” أيضاً يعيشون مخاوف الردّ على الردّ. علماً بأنّ حزب الله نفى مسؤوليته عن صاروخ مجدل شمس، غير أنّ “الإسرائيلي” لا يريد الإقتناع بهذا الأمر، رغم علمه بأنّ المقاومة غالباً ما تُعلن مسؤوليتها عن كلّ العمليات العسكرية التي تقوم بها من دون أي خوف.
وإذ يعيش لبنان حالة من الإنتظار تتعلّق بتوقيت الضربة “الإسرائيلية”، والجهة التي ستطالها، في ظلّ الكلام “الإسرائيلي” عن جهوزيته لقتال يستمرّ لأيّام، تقول الأوساط الديبلوماسية، إنّ الإتصالات الدولية لا تزال تسعى الى تلافي حصول أي تصعيد، أو جعل الضربة محدودة جدّاً وبعيدة عن جميع المناطق اللبنانية وعن المدنيين. كما استبعدت حصول أي توغّل برّي عند الحدود الجنوبية، لأنّ مثل هذه العملية لا تصبّ أبداً في مصلحة العدو، وهو يعلم هذا الأمر تماماً.
وفي ما يتعلّق بحزب الله، أشارت الأوساط عينها، أنّه قام بإخلاء مواقعه في الجنوب والبقاع تحسّباً من أي ضربة ، وهو بالتالي لا يريد أن تطال بيروت أو الجنوب أو أي منطقة في لبنان، كون العدو يدّعي أنّه تلقّى ضربة من الحزب، في حين أنّه لم يفعل ولم يضرب المدنيين منذ 8 تشرين الأول الماضي، تاريخ بدء المواجهات العسكرية الأخيرة بينه وبين “إسرائيل” وحتى الآن. في حين أنّ “الإسرائيلي” استهدف مدنيين عدّة في المناطق الجنوبية منذ بدء المواجهات، ولهذا ليس المطلوب اليوم تحييد منطقة دون سواها، بل عدم التصعيد في اتجاه لبنان، لأنّ الحزب سيُصعّد في ردّه على الضربة المحتملة.
من هنا، أكّدت الأوساط الديبلوماسية أنّ الإتصالات الدولية مستمرّة لمنع تصعيد الصراع، والجهود مبذولة من أجل التوصّل الى حلّ ديبلوماسي يُثبّت الحدود الجنوبية، ويوقف الأعمال العدائية بين الجانبين على ما ينصّ عليه القرار 1701، الأمر الذي يسمح بعودة المواطنين عند الحدود من الجانبين الى منازلهم في أسرع وقت ممكن، في حين أنّه من شأن التصعيد، إستبعاد أو تأجيل هذه العودة الى أجلٍ غير مسمّى. ولفتت الاوساط الى أنّ الولايات المتحدة أعلنت عن أنّ “الضربة الدامية لحزب الله يُمكن أن تُثير حرباً شاملة بين “إسرائيل” وحزب الله، معربة عن خشيتها من أن “يكون ما حدث السبت (الفائت) الشرارة التي كنّا نخشاها، وحاولنا تجنّبها لمدة 10 أشهر”. فهل ستستكمل أميركا اتصالاتها لمنع شبح أي حرب موسّعة بين “إسرائيل” وحزب الله قد تشمل المنطقة ككلّ، في حال قرّر نتنياهو منفرداً القيام بضربة كبيرة على لبنان؟!