تبدو جبهة الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وكأنها تخضع الى قاعدة كل «يوم بيومه»، على وقع التطورات الميدانية والتخبّط الاسرائيلي الذي انعكس تهديداً مباشراً للامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله.
صحيح ان لا قرار مُتخذاً، حتى الآن، من قبل «حزب الله» والعدو الاسرائيلي بالذهاب الى حرب شاملة، كلٌ لأسبابه، لكن خطر التدحرج التلقائي يبقى موجوداً في ظل تصاعد العمليات العسكرية وتجاوز الاحتلال من حين الى آخر الخط الأحمر عبر توسيع الدائرة الجغرافية للقصف واستهداف مدنيين، على نحو ما حصل أخيراً في بنت جبيل وقبلها في أماكن أخرى.
ومنذ بداية المواجهات اتخذَ الحزب قرارا حاسما بعدم التساهل مع أي تجاوز إسرائيلي للضوابط الميدانية المتعارَف عليها ضمناً في المعركة بين «العسكر»، وبالتالي فهو يرد بعنف على كل خرق لها، مُستهدفاً المستوطنات في عمق الجليل، كما فعلَ بقصف كريات شمونة، بعد الجريمة التي ارتكبها العدو في بنت جبيل.
وهذا النوع من الردود يعتبره الحزب ضروريا وحيويا لعدم التفريط برصيد توازن الرعب وقوة الردع اللذين صنعهما وثَبّتهما في صراعه مع الاحتلال خلال السنوات الماضية، وبالتالي فهو مصمّم على تفادي العودة إلى ما قبل هذه المعادلة مهما كان الأمر، حتى لو كلّفه ذلك المخاطرة باحتمال التدحرج الى المواجهة الشاملة التي باتَ على أتمّ الجهوزية لها وإن كان لا يفضّلها الآن. أولاً، لأنّ عنصر المباغتة المفاجأة لم يعد متوافرا. وثانياً، لأنّ حركة حماس صامدة وتستنزف جيش الاحتلال العاجز عن تحقيق انجازات نوعية. ولذلك، من الأفضل أن تبقى الهوية الفلسطينية هي الطاغية على معركة طوفان الأقصى والنصر المرتقب.
ومن الواضح أن تل أبيب، وعلى رغم كل التهديد والتهويل، لا تزال تتهيّب فتح جبهة كاملة مع الحزب، إلى جانب المعركة التي تخوضها ضد «حماس»، لمعرفتها بأنّ خوض حربين واسعتين في وقت واحد هو أمر يفوق طاقتها، خصوصاً بعدما كشف العدوان على غزة، المطوّقة والواقعة ضمن مساحة ضيقة، نقاط ضعفٍ جوهرية في الكيان الاسرائيلي وجيشه، فكيف سيكون الحال في مواجهة «حزب الله» الذي يملك قدرات عسكرية أكبر من تلك الموجودة في حوزة حماس، ولديه خطوط إمداد مفتوحة، سواء في الداخل او عبر الحدود؟
من هنا، فإنّ المسؤولين الاسرائيليين يحاولون تعويض الافتقار الى القدرة على شن هجوم واسع ضد الحزب، أقلّه حالياً، بشَن حرب نفسية تُستخدم فيها كل أنواع أسلحة التهويل، ومن بينها تهديد وزير الخارجية المبطّن باغتيال الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله من خلال تصريحه انّ «نصرالله هو التالي في الدور»، في إشارة إلى أنه سيكون هدفاً للتصفية بعد قتل القائد في الحرس الثوري الإيراني موسوي في سوريا، إضافة إلى التلويح شبه اليومي من قبل قادة الاحتلال على اختلاف مستوياتهم بأنه ما لم ينسحب الحزب الى شمال الليطاني عبر الدبلوماسية فسيُجبر على ذلك باستعمال القوة ضده.
هذه الحرب النفسية والمستقوية بوحشيّة وهمجية العدوان على غزة، يتعامل معها الحزب بأعصاب باردة وهادئة، لا سيما انه صاحب خبرة وتجربة في التعاطي مع الهوبرة الإسرائيلية، وهو يعلم بأنّ قيادة العدو تعلم أن حسابات الواقع مغايرة تماما لصخب القنابل الصوتية التي تُطلقها لزوم رفع المعنويات وإرضاء المستوطنين النازحين، إنما من دون أن يغفل في الوقت نفسه عن إبقاء هامش لاحتمال ان يتهوّر بنيامين نتنياهو في خياراته على الجبهة الشمالية خارج سياق المنطق والواقعية، وان يقوده الخطأ في التقدير الى مغامرة اضافية للهروب من مأزقه في غزة وأزمته الشخصية في داخل الكيان وللسعي الى صنع وقائع جديدة على الحدود مع لبنان تُعيد له زمام المبادرة المفقود هناك.
امّا التلويح المتجدد باغتيال السيد نصرالله فلا يخيف الحزب ولا يُقلقه، في اعتبار أنّ «السيد» هو اساساً هدف ثابت بالنسبة إلى الاسرائيليين ولا جديد في ما صَرّح به الوزير الإسرائيلي، سوى انه يحاول ان يستخدم زخم عملية اغتيال موسوي للضغط على الحزب ومحاولة دفعه نحو القبول بالتراجع الى وراء الليطاني وسحب عناصره من جنوب النهر، إفساحاً في المجال أمام رجوع المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة الى مستعمراتهم بعدما أصبحوا يشكلون عبئاً على حكومتهم التي يشعرون بأنها أضعف من ان تضمن لهم «العودة الآمنة».
وتلفت اوساط قريبة من «حزب الله» الى انّ كلام وزير الخارجية الاسرائيلي هو هروب من مواجهة الحقيقة التي توجِع الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة تحت وطأة ضربات المقاومة، مشيرة الى انّ الكيان العاجز عن تقديم أجوبة شافية عن اسئلة المستوطنين النازحين يقفز فوق مشكلته الفعلية هذه الى إطلاق تهديدات جوفاء ومكررة.
وتشدد الاوساط على ان العدو الذي احتاج الى اكثر من 80 يوما حتى يعثر على حذاء يحيى السنوار في قطاع غزة، هو أضعف وأعجز من تكبير حجم أهدافه.
وعلى المستوى الميداني، تؤكد الاوساط انّ الحزب لن يسمح للعدو بفرض معادلات جديدة في الجنوب. لذا، فإنّ المقاومة تعمد الى الرد بالمثل واحياناً اكثر، على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، حتى لا تعطيه اي فرصة لتكريس امر واقع مختلف.
وتلفت الاوساط الى انّ اعتراف العدو بأنه يقاتل على جبهات عدة، من بينها جبهة الجنوب اللبناني، هو دليل على أنّ حرباً حقيقية ولو محدودة تدور على الحدود مع فلسطين المحتلة خلافاً لمحاولة البعض التقليل من شأنها.