Site icon IMLebanon

التهديدات الإسرائيلية مؤشّر إلى القلق… لا إلى الحرب

 

الحرب على الوعي، بين حزب الله وإسرائيل، لا تتوقف في مرحلة اللاقتال المباشر بين الجانبين. وهي حرب بمعارك شبه يومية، منها الخَفيّ والمعلوم، كما في الإعلان عن المناورات وتضخيمها والحسم في نتائجها والتأكيد من خلالها على الجاهزية لخوض القتال والحروب، بهدف التأثير في وعي الطرف الآخر ودفعه إلى الانكفاء.

 

إلا أنه ينبغي التفريق بين إجراءات وأفعال ومواقف قد تكون مبالغاً فيها بإفراط، أحياناً، في المعركة الدائرة على الوعي في مرحلة اللاحرب، وتلك التي ستسود ميدانياً في مرحلة الحرب، في حال نشبت.

و«اللعبة» باتت مكشوفة جداً. التهديدات بالقتل والتدمير واستهداف المدنيين وإعادة اللبنانيين إلى «العصر الحجري»، والعبارة الأخيرة لازمة كلامية يهواها وزير الأمن الإسرائيلي الحالي يؤاف غالنت من قبل أن يكون وزيراً، لم تعد هي ما سيبادر به الجيش الإسرائيلي في مرحلة الحرب. فالهدف من التهديدات إيهام الطرف الآخر بأنها ستُنفذ كما هي، لكن ليس شرطاً أن تجد طريقها إلى التنفيذ فعلاً في مرحلة الحرب.

 

تهدف التهديدات، في المقام الأول، إلى ترهيب الطرف المُهدَّد لردعه عن فعل أو رد فعل يقدر المهدِّد أن الطرف الآخر قد يبادر إليه، ما قد يؤدي إلى مواجهة. والتهديدات، في حالة حزب الله – إسرائيل، وربطها بقدرة الجانبين على الإيذاء، تؤشر إلى خشية من نشوب الحرب وليس إلى نشوبها. وفي ذلك تفصيلان يجب أن يكونا حاضرين لدى البحث والتقدير:

أولاً، تقدير الحرب من عدمها يرتبط بعوامل تشكّل توجّهاً إلى اتخاذ قرار بخوضها، وقد تكون التهديدات جزءاً منها. إلا أن التهديد في ذاته، بعيداً عن العوامل الأخرى لتشكّل قرار الحرب، لا يعني بالضرورة قرب نشوبها، ما يدفع إلى البحث في أسباب التهديدات، من دون الوقوع في أخطاء تقديرها.

فخلال السنوات الماضية، عندما كان يرتفع احتمال الحرب، كانت التهديدات تستقر وتتراجع، خصوصاً من ناحية إسرائيل. وفي الأعم الأغلب، وهو ما ثبت لاحقاً، كانت غالبية التهديدات في خدمة أهداف ردعية، لمنع نشوب الحرب نفسها.

ثانياً، لم تعد الحرب، إسرائيلياً، واحداً من بين خيارات أخرى بديلة متاحة يلجأ العدو إليها عندما تفشل البدائل. فقد تجاوز الواقع بين إسرائيل والساحة اللبنانية معادلة التهديد ومن ثم الحرب، وبات منع نشوب الحرب هدفاً تسخّر إسرائيل مواردها له، ليس لأنها غير قادرة عليها، بل لأن منسوب الأذى الذي سيلحق بها مرتفع.

ثالثاً، في العادة، تهدف المناورات الإسرائيلية وإعلان الاستعداد وإرهاب الطرف الآخر إلى تحقيق مطلبين متعاقبين: أولهما تحقيق أهداف الحرب أو ما أمكن منها من خلال التخويف بها، وثانيهما، إن لم يتحقق هذا الهدف، المبادرة بشن الحرب. وهذه الاستراتيجية هي ترجمة عملية لنظرية الثمن والجدوى من خوض الحروب

 

في هذه الجزئية، لم تعد الحرب هي الخيار الأخير، لأن كلفتها تتجاوز حجم الفائدة بأشواط، لأن حجم الأذى الذي سيلحق بإسرائيل مهول إلى درجة يصغر أمام هوله أي إنجاز إسرائيلي يمكن أن تحققه الحرب. وفي الموازاة، لم تعد الحرب خياراً ممكناً ضمن خيارات، وإن لم تنتف بالمطلق، وهو ما يجب أن يكون حاضراً لدى تقدير وتحليل هكذا تهديدات.

رابعاً، تدرك تل أبيب أن قيادة المقاومة تقدر جيداً أن إطلاق التهديدات سببه جهوزية المقاومة واستعدادها اللذان يتعاظمان بوتيرة مرتفعة جداً، وأن بين التهديد والقدرة على التنفيذ فرقاً كبيراً. لذلك، لا تراهن تل أبيب على إمكان خرق وعي هذه القيادة والتأثير في أفعالها، بل إلى التأثير في الوعي الجمعي للبنانيين، وتحديداً في البيئة الحاضنة للمقاومة.

غير أن هدفاً يحمل في طياته نقيضه. فكلما ارتفع صوت التهديد مع رهان على التأثير في البيئة المباشرة لحزب الله، على أمل أن يؤثر قلق الجمهور في قرار قيادة الحزب، كان ذلك عاملاً مطمئناً لهذه القيادة. رفع وتيرة التهديدات ونبرتها يطمئن القيادة، وفق أرجح التقديرات، عمّا تنوي إسرائيل فعله، فيكون العدو أصاب مطلباً، وأخفق في الثاني الأكثر أهمية.

 

وكما في قصة «الراعي والذئب»، فإن المغالاة في التهديدات دون أن تتبعها أفعال، منذ سنوات طويلة، رغم تجاوز حزب الله مراراً «الخط الأحمر» الذي ترسمه إسرائيل، تؤدي إلى فقدان الصدقية التي تفضي بدورها إلى فقدان تأثير التهديدات.

أخيراً، إطلاق اسرائيل تهديدات مع التزام صارم بقواعد الاشتباك مع حزب الله يؤدي إلى نتائج مغايرة تماماً لهدف التهديدات، ويشير إلى ارتفاع منسوب قلق إسرائيل، لا إلى توثّبها لشن اعتداءات وحروب.