Site icon IMLebanon

مواصلة الحرب الإسرائيلية على «غزة» وغياب الحل السياسي ينذر بجيل جديد من الجهاديين

 

 

 

مع انسداد أفق الحل السياسي وغياب الوسيط النزيه المماثل للدور القطري الحالي في تحقيق الانفراجات والهدن الإنسانية، لأطول قضية احتلال معاصر، وامعان المحتل الإسرائيلي لفلسطين بارتكاب المزيد من جرائمه السادية على وقع عجز عربي عام رسمي وشعبي وإزدواجية المعايير الغربية المناصرة للاحتلال خصوصا من الحكومات الأوروبية باستثناء قلّة منها كإسبانيا والدانمرك وبعض الاستدراكات غير الكافية وقد تلمّست القارة العجوز رقبتها مما يمكن أن يصيبها من تداعيات الفوضى العارمة التي قد تحدث في منطقة الشرق الأوسط إذا ما توسّعت الحرب الدائرة الحالية كالتي جاءت على لسان الرئيس الفرنسي «ايمانويل ماكرون» حول وقف إطلاق النار أو موقف منسق السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي «جوزيب بوريل» حول تخطّي إسرائيل مبدأ الدفاع عن النفس وبشكل بدا معاكسا لتوجهات الشعوب الأوروبية من خلال المظاهرات الحاشدة في كل من واشنطن ولندن وباريس وبرلين مطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار وفي موقف معاكس تماما لحكومات تلك الدول.

الحل يكون باحترام القرارات الدولية وإعطاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدور المطلوب بوضع مسار حل الدولتين على نار حامية وإعادة الاعتبار لوحدة المعايير والمقاربات القانونية والإنسانية وهذا يتطلب إبعاد المتطرفين مع التعريف الموضوعي لهذا المصطلح من كل الجهات عن القرار السياسي لا سيما في تل أبيب ومحاكمة إسرائيل على جرائمها التي ارتكبتها طيلة فترة احتلالها خاصة في غزة مؤخرا والتعويض على الفلسطينيين وربما اللبنانيين والسوريين والأردنيين والمصريين بحيث لا يجوز أن تبقى إسرائيل استثناء فوق القانون الدولي والإنساني لمجرد انها تحظى بالحماية والرعاية الغربية والأميركية خصوصا.

 

ان عدم الأخذ بعين الاعتبار الحقوق الفلسطينية التحررية المشروعة ومحاولة استبعاد القوى المؤثرة في الساحة الفلسطينية خصوصاً حركة حماس لصالح القوى الثانوية كسلطة محمود عباس ومداها التطبيعي الاقليمي ينذر أو ربما يبشّر بنشوء جيل عربي وإسلامي جهادي أكثر تمرّساً حيث تخشى أوروبا طوفان جديد من المهاجرين والمزيد من الأعمال المركبة، وهذا يستدعي انخراطها أكثر في البحث عن حل ممكن باعتمادها معايير موحدة مع طرفي الصراع يعيد الثقة المفقودة باعتبار إسرائيل دولة احتلال وحماس ومثيلاتها حركات تحرر وقوى مقاومة.

ويشكّل الشباب ما نسبته 32% من سكان الوطن العربي، والذي يتكون من 22 دولة. يبلغ عدد الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة أكثر من 100 مليون من التعداد السكاني الحالي للوطن العربي.

 

ماذا لو أسقطنا البُعد الشبابي على العالم الإسلامي الذي يعتبر القضية الفلسطينية كأحد أهم أولوياته المعاصرة وقد أشبع بالفكر الجهادي وهو يرى ويتابع استمرار الاحتلال وجرائمه، يشكّل الإسلام ثاني أكبر دين في العالم. وفقا لدراسة أجريت في عام 2023، يبلغ تعداد المسلمين 2 مليار شخص ويشكّلون حوالي 25% من سكان العالم. معظم المسلمين إما من اثنين من الطوائف: السنّة (80-90%، تقريبا 1.5 مليار نسمة) أو الشيعة (10-20%، تقريبا 170-340 مليون نسمة). ربما يختلف الشيعة والسنّة في قضايا عديدة إلّا انهما يجمعان على أهمية تبنّي ودعم القضية الفلسطينية.

وبما أن الشباب يشكّلون نسبةً كبيرةً من سكان الوطن العربي والعالم الإسلامي فهذا يعني بأن لديهم القدرة على التغيير والتأثير ومن الخطورة بمكان بالنسبة للأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط والعالم الاستمرار بالعبث في قضيته المركزية فلسطين.

 

ان ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه لمدة ستة أسابيع من الحرب على غزة في عز اندفاعتها والتأييد الجارف لها من الداخل بحجة الانتقام ومن الغرب بحجة الدفاع عن النفس بسبب تسريبات نتنياهو لبايدن المفبركة حول ارتكابات «حماس» في غلاف غزة من إغتصابات وقطع للرؤوس هي بالتأكيد عاجزة عن تحقيقه بما تهدّد به من استئناف للمعارك وقد تراجع التأييد لها في الداخل والخارج بعد اتضاح أكاذيب المسؤولين السياسيين والعسكريين في تل أبيب بشأن سرديات عملية طوفان الأقصى وما تبعها حيث تم فقدان الثقة بتصريحات الناطقين بلسان الحكومة والجيش الإسرائيليين بسبب فقدان الأدلة وتناقضها مع الواقع ومع ما يتجلّى من أحداث لصالح أيقونة المقاومة والناطق باسمها «أبو عبيدة» أو الملثم واثباتاته الدامغة بالصوت والصورة.

كشفت الهدنة القائمة حاليا في غزة عن حجم الإخفاقات الإسرائيلية في هذه الحرب غير المسبوقة في همجيتها. فجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تزعم قيادته استعدادها لإعادة استئناف العدوان على غزة يعاني حالة تمرد بين ضباطه وجنوده على الأرض.

 

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي طرد قائد كتيبة قتالية ونائبه إثر تراجعهما أمام كمين من مقاتلي كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال المعارك البرية التي شهدها شمال قطاع غزة قبل دخول الهدنة المؤقتة ووقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

وفي سياق الفشل الإسرائيلي في توقع هجوم 7 تشرين الأول والارتباك الذي أصاب جيش الاحتلال نشرت القناة 12 العبرية، تقريرا ذكرت فيه هلع الجنود وقصة مجندات إسرائيليات أعمارهن في بداية العشرينيات من العمر تم تكليفهن بقيادة دبابات من أجل ملاحقة مسلحين فلسطينيين في مستوطنات غلاف قطاع غزة في السابع من تشرين الأول.

وهو أمر أثار انتقادات بشأن كيفية الزج بمجندات صغيرات السن وبلا خبرة عسكرية في القتال في مواقع حسّاسة ينتشر فيها مدنيون، ما يزيد من احتمالية ارتكابهم جرائم حرب.

ويأتي هذا التقرير، عقب كشف الطيار العسكري الإسرائيلي نوف إيرز، الثلاثاء الماضي، احتمالية أن تكون قوات بلاده نفذت بروتوكول هانيبال خلال تعاملها مع هجوم حركة حماس.

 

إسرائيل هذه تبدو دولة ضعيفة ومربكة بتوحشها سياسياً وإعلامياً وعسكرياً وأمنياً واجتماعياً بعكس ما تدّعيه من أجل استمرار التأييد الغربي الذي تتنفس به وقد تسلسلت جرائمها اليومية: بين «جرائم الحرب» و«جرائم ضد الإنسانية» و«الإبادة الجماعية» ولم ينجُ منها المدنيين والصحفيين ورجال الإنقاذ من طواقم طبية وممرضين ودفاع مدني وهلال وصليب أحمر ومستشفيات ودور عبادة ومراكز إيواء كالمدارس وغيرها بل ان إسرائيل قد تكون ارتكبت مجازر لم تعهدها البشرية سابقاً، وفي هذا السياق يمكن الحديث عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في عموم فلسطين لا سيما في الضفة الغربية والقدس من اقتحامات واعتقالات بتهم ملفقة وإعادة اعتقال لأسرى محررين مع ما يستوجب ملاحظة ذلك في اية مبادلات للأسرى وما يصاحبها من ممارسات دموية وزيادة في تلك السادية ان الاحتلال الإسرائيلي يحاول منع الشعور بالفرح لدى الفلسطينيين في أدنى قضية قد يعتبرها مستفذة لوجوده كمحتل كما في قضية منع الأسرى من قبل أجهزته الأمنية خصوصاً الأطفال والنساء وذويهم من الابتهاج بمناسبة تحريرهم من سجونه.

وكانت جهات حقوقية عديدة بينها منظمة العفو الدولية و«مراسلون بلا حدود» والمقررة الأممية لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيز وغيرهم، قد تحدثوا عن أدلة دامغة لجرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في حربها التي انتهكت القانون الدولي الإنساني على قطاع غزة.

إن صمود الفلسطينيين شعباً ومقاومة وقد تراكمت خبرتهم النضالية والمعاملة الحسنة التي أظهرتها حماس مع الأسرى الإسرائيليين بشهادة المفرج عنهم وقد غررت الصهيونية بأكاذيبها حتى اليهود أنفسهم هي أقوى بآلاف المرات من همجية الجيش الإسرائيلي وترسانته العسكرية ودعايته الكاذبة وسد منيع في محاولة دعشنة المقاومة توطئة لتبرير ذبحها بوصمها بالارهاب، في الوقت الذي يخرج به الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة أكثر تشككا بالرواية الصهيونية بحسن أخلاق ومعاملة المقاومين لهم وبصدق رواية ملحمتهم وتغريدتها الوطنية والإنسانية يخرج الأسرى الفلسطينيين أكثر إصرارا على مواصلة الكفاح وثقة بمقاومتهم بفضل فظاظة سجّانيهم.

هذا النموذج الإنساني الحضاري الفلسطيني المقاوم هو الذي سيحرر فلسطين الى جانب شجاعة هؤلاء المقاومين وتفانيهم في سبيل قضيتهم التحررية عكس الحكومة الإسرائيلية التي يتبارى أعضائها على توزيع التهديدات بالإبادة والتهجير وإساءة معاملة الأسرى والمعتقلين خصوصا من النساء والأطفال وحيث الجيش الإسرائيلي يرتكب المزيد من المجازر بحق المدنيين.

ان ساسة إسرائيل كما جيشهم لا يدافعون عن قضية عادلة بل عن احتلال وحشي ومصالح سلطوية وانتخابية شخصية كقضية زائفة بأدوات مضللة عكس الشعب الفلسطيني الذي يسعى نحو حريته ومقاومته السياسية والعسكرية التي تبذل نفوس أعضائها في سبيل هذه القضية السامية ان أفضل ما قدّمته المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى هو انها حافظت على مبادئها وأخلاقها فوق الميدان في أحلك الظروف ليس فقط مع أهلها بل حتى مع أعدائها المحتلين لا سيما من كانوا ضيوفا لديها من المدنيين أو أسرى من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ان الأداء القطري السياسي والدبلوماسي والإعلامي أعاد بعض الحياة للمقاربات السلمية وبث رسائل إيجابية مهمة لدور المهام الخيرة بعدما كاد العالم يفقد ثقته بها لصالح المزيد من المقاربات العنفية.

نموذج حماس العسكري ونموذج قطر السياسي والدبلوماسي والإعلامي هما البديل الناجح عن النموذجين الفاشلين الممانع التقليدي القديم والنموذج التطبيعي الذي يحرث في الهواء لأجل حفنة من المجرمين قتلة الأطفال والنساء.

فالنموذج الأول قدّم أطروحة متكاملة متاحة أدّت لجملة من الانجازات والحقائق كان بدايتها تحرير الأسرى وانقلاب الصورة النمطية لكل من الاحتلال والمقاومة في أذهان الرأي العام الدولي بما يشي ذلك من تداعيات ونتائج لا بد أن تنعكس إيجابا مستقبلا على مسار السلام الحقيقي الذي يعيد الحق لأصحابه الفلسطينيين في ان السلام يحتاج الى قوة حقيقية تتمتع بالصلابة والمرونة وتجمع بين القوتين الصلبة والناعمة، فالضعف والاستسلام عملة مغرية لاستمرار الاحتلال.

خاصة إذا ما علمنا ان الاحتلال قد نشأ بفضل الدعم الغربي واستمر برعايته تحت عناوين:الهولوكوست ومعاداة السامية وكره اليهودي لذاته عندما لا يكون صهيونياً. ولن يعيد الرعاة نظرهم في جدوى رهاناتهم إلّا إذا أدركوا قوة أصحاب الحق وإصرارهم وفشل استثماراتهم في الكيان الغاصب.

بالتأكيد لم تقتصر أبعاد الرؤية السياسية القطرية الخارجية على القضية الفلسطينية رغم مركزيتها لانها قد تفرّدت بخصوصيتها من بين أقرانها الخليجيات بملفات عديدة أكدت النتائج صوابية تلك التوجهات.

ان السردية الأكثر إشكالية للمقاومة ولقرار طوفان الأقصى هي عن تداعياتها على المدنيين في غزة وقد تبدّت للعالم مجازر يومية يرتكبها جيش الاحتلال تجاوزت محصلتها:

عدد الشهداء أكثر من 15,000 شهيداً بينهم أكثر من 6,150 طفلاً و4,000 امرأة ما زال قرابة 7,000 مفقود تحت الأنقاض أو مصيرهم مجهولاً بينهم أكثر من 4,700 طفلٍ وامرأة، عدد شهداء الكوادر الطبية 207، واستشهد 26 من طواقم الدفاع المدني، و70 صحفياً، زاد عدد الإصابات عن 36,000، أكثر من 75% منهم من الأطفال والنساء، دمّر الاحتلال 103 مقرات حكومية و266 مدرسة منها 67 خرجت عن الخدمة، 88 مسجداً دمّرت كلياً و174 مسجداً دمّرت جزئياً إضافة إلى استهداف 3 كنائس، 50,000 وحدة سكنية تعرّضت لهدم كلي و240,000 وحدة تعرّضت للهدم الجزئي، خرجت 26 مستشفى و55 مركزاً صحياً عن الخدمة واستهدف 56 سيارة إسعاف.

يمكن المجادلة في هذا بالقول ان عدو بهذه الوحشية ليس بحاجة لمبرر لارتكاب جرائمه وهي على مدى أكثر من خمسة وسبعين عاما لم تكن بسبب الفعل وردّه بل انه كاحتلال رأس مشروع استعماري بغيض يقودنا الدور القطري الأخير للقول ان حل القضية الفلسطينية يحتاج الى وسطاء حقيقيين ينحازون الى الحق حيثما كان بمرونة وبأدوات مناسبة وقبل كل شيء بدوافع ابداعية وليس كما تفردت واشنطن كراعي للسلام في الشرق الأوسط حيث انحازت الى جانب الاحتلال وأدّت أفعالها الى مزيد من التعقيدات.

ان مصداقية قطر واستقلالية قرار «حماس» من شأنه أن يمكنهما لاحقاً مع الشركاء من تسييل فلسفتهما للحل السياسي الى أرض الواقع على وقع المزيد من التفاعل من الأطراف المختلفة حيث الحاجة الماسّة لهذا الدور الذي من خلاله يمكن التقاط الفرص البديلة الممكنة لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

وأهم من يعتقد بزوال القضية الفلسطينية بمجازر القتل والاعتقال والتهجير والتطبيع والصفقات والسمسرات فالشعب الفلسطيني ما زال يؤكد بإصراره استحقاقه لحقوقه واستقلاله وحريته.

هي قضية تخبو قليلا لتعود أقوى مما كانت، هي ملحمة الأمة العقدية لانه حتى مبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل تشكّل جزء من الحقوق وليس كلها أو حتى جلّها فما لم يستدرك أصحاب البراغماتية السياسية الحاليين فرصتهم فإن الجيل الجديد من الجهاديين لن يقبل بأقل من فلسطين التاريخية من البحر الى النهر وملاحقة فلول المحتلين خلف أشجار «الغرنق» وقد نطق بلسان أحجار من سجيل لما لا وقد تبدت المؤشرات من مسافة صفر وتواترت دلالاتها على عظمة التكريم كما تبدّت في وجوه الغزاويين وقد لجت السنتهم بالحمد والتهليل والتكبير في أحلك الظروف.