Site icon IMLebanon

الجيش لا ينصح نتنياهو بالحرب مع لبنان

 

تصعيد إسرائيلي يخيف الإسرائيليين!

 

صعّدت إسرائيل تهديداتها «غير المباشرة» للساحة اللبنانية، مع حديث مسؤوليها المتزايد عن جهوزية «من دون قرار إلى الآن» لمواجهة «استفزازات» حزب الله على طول الحدود، وعن رفع مستوى الاستعداد لسيناريوهات مختلفة، فيما أشيع أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو «وافق» على «توصيات» الجيش الإسرائيلي لمواجهة «الاستفزازات». لكنّ الأسئلة بقيت حول ما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل، وكيف سيكون ردّ حزب الله، ما تسبّب في شائعات على مواقع التواصل أمس، أثارت هلعاً بين سكان المستوطنات الشمالية.

 

لكن، هل نحن أمام تهديدات لا تعقبها أفعال كما حصل سابقاً، أم هي إشارة إلى توثّب فعلي للمبادرة الاعتدائية الإسرائيلية؟ يبدو ان الفرضية الأولى ارجح، وإن كانت التفاصيل غير كاملة، مع اشارات لافتة وردت أمس من تل أبيب: تهديدات واشارات حرب، وفي الوقت نفسه اشارات تهدئة وابتعاد عن التصعيد.

افتتح العدو موجة التهديد بتصريحات لنتنياهو، حذّر فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من المبادرة إلى الإضرار بإسرائيل، وقال في مستهلّ جلسة الحكومة أمس، إن «تهديدات نصرالله من المخبأ لا تؤثّر فينا، وعند الاختبار الجدي، سيجدنا نقف كتفاً بكتف، ولذلك أنصحه بألا يختبر قوتنا».

 

وسبق حديث نتنياهو نشر كتائب إضافية في الشمال استعداداً للأسوأ، مع إعادة تنشيط التغطية الإعلامية في ما يتعلق بخيمة حزب الله في مزارع شبعا، التي «أوحت» مصادر عسكرية أن قرار إزالتها اتُّخذ في المؤسسة العسكرية، إلا أنها تنتظر قرار المؤسسة السياسية «حتى وإن كان الثمن مواجهة مفتوحة».

وما زاد منسوب الخشية والقلق لدى المستوطنين في الشمال هو أخبار «الجلسة المغلقة» التي أعلن عنها مكتب نتنياهو، وقيل في أعقابها إن رئيس الحكومة وافق على التوصيات التي عرضها الجيش الإسرائيلي لمعالجة «استفزازات» حزب الله و«خيمة المزارع»، رغم أنه لم يجر الحديث عن مضمون التوصيات ووجهتها.

وكانت «النبرة العبرية» تغيّرت في اليومين الماضيين، مع محاولة الحكومة والمؤسسة الأمنية تهدئة الاحتجاجات الداخلية عبر الحديث عن «شؤون أخرى» تجمع الإسرائيليين بعيداً عن الانقسامات.

وتعامل الإعلام العبري مع تهديدات نصرالله، التي حذّر فيها إسرائيل من المبادرة إلى أي «حماقة»، على أنها تهديدات بإمكان شن هجمات على طول الحدود والسيطرة على مستوطنات، مع أسئلة طرحها المعلّقون حول نجاعة الإجراءات الدفاعية الإسرائيلية في وجه الهجمات المحتملة انطلاقاً من لبنان.

 

 

وعلى غير عادة متّبعة، روّجت إسرائيل إعلامياً لمناقشات حول تطورات ومستجدات على طاولة التقدير الأمني، وهي نقاشات تجري بشكل دوري حول الأوضاع على مختلف الجبهات، ومن بينها الجبهة الشمالية مع لبنان. وجرى التشديد على أن الجيش الإسرائيلي سينقل إلى السياسيين في جلسة إحاطة خاصة (النقاش الدوري) تقديراته حول زيادة الخطورة على الحدود مع لبنان، وإمكان انزلاق الوضع إلى مواجهة. وهي المناقشة التي قيل في أعقابها إن نتنياهو وافق على توصيات الجيش لمعالجة «الاستفزازات».

واضح أن النبرة الإسرائيلية الجديدة، من خلال حديث نتنياهو أمس، وكذلك موافقته على التوصيات، مخصّصة لتحذير حزب الله من الإقدام على ما يخرق قواعد الاشتباك على طول الحدود. كما أنه «إعلان نيات» عدائية قابل للتراجع عنه في حال تطوّرت الأمور ميدانياً إلى الأسوأ، سواء من ناحية إسرائيل أو من ناحية حزب الله.

التحذير الإسرائيلي، مع تضمّنه «النيات العدائية» يخدم فرضيتين: منع حزب الله من المبادرة للإضرار بإسرائيل عبر شن عمليات، أو منع حزب الله – على فرضية أكثر خطورة – من الرد على اعتداء إسرائيلي، رغم أن للفرضية المخلوطة من الفرضيتين، مكاناً معتداً به على طاولة التقدير.

وتريد إسرائيل أن تُفهِم حزب الله أنها متوثّبة وأكملت استعداداتها لمواجهة كل سيناريو محتمل لمنعه من المبادرة، من خلال إفهامه بأن نظرته إلى الوضع في إسرائيل خاطئة. لكن هل تقديرات حزب الله مبنيّة فعلاً على تأثيرات الأزمة الداخلية في إسرائيل؟

 

قد يكون هذا العامل مساعداً، لكنه لا يكفي لتفسير الواقع كما هو. فاستعداد حزب الله للرد، مع قرار قاطع وحاسم بذلك، متّخذ منذ سنوات، وإسرائيل تتعامل معه بجدية مطلقة، ما يفسر انكفاءَها عن الساحة اللبنانية طوال السنوات الماضية.

 

لكن ماذا عن العمليات الابتدائية؟

صحيح أن هناك اختلافاً بين مواجهة موضعية محدودة، وتلك التي تنزلق لساعات قتالية، أو أيام، أو تلك التي تتدحرج إلى مواجهة واسعة. لكن ما الذي يضمن عدم تدحرجها إلى ما لا يريده الطرفان غير الانكفاء المتبادل عن التسبب بالمواجهة؟ لا شيء.

نعم، للأزمة الداخلية في إسرائيل تأثيرات، إلا أنها لا تكفي لتفسير ما يجري، وقد تكون المسألة نتيجة مغالطات أوقعت إسرائيل نفسها والآخرين بها، في معرض إنكارها عن تسببها بتغيير جزء من واقع الميزان العملي والقرار والمبادرة الابتدائية والردّية بين الجانبين.

يوجد ميزان قدرة عسكرية تطوّرت وتنامت على مرّ السنوات بين الجانبين، باتت مشبعة بقابليات الأذية والإضرار غير المسبوقيْن، ليس فقط من ناحية إسرائيل صاحبة القدرة على الإيذاء المفرط، بل أيضا لدى حزب الله، وهو ميزان يمنع الطرفين من الذهاب نحو المواجهة والأذية، ما لم تكن الأسباب والأهداف، تستأهل هكذا مواجهات.

 

مع ذلك، جاءت نتائج التعويل أمس متناقصة مع أهدافها، كما أرادتها طاولة القرار في تل أبيب، وبدلا من تخويف حزب الله ودفعه للانكفاء، أخافت إسرائيل نفسها وتسببت بموجه قلق وشائعات عمّت المستوطنات، الأمر الذي دفع لاحقا، بعد التهديدات، إلى تراجع النبرة و«التهديدات»، إلى التأكيد على ان وجهة اسرائيل ليست الحرب في مواجهة حزب الله، وأن التوصيات التي عرضها الجيش أمام نتنياهو، وحصلت على موافقته، تتعلق بأساليب غير متطرفة مع تفضيل المعالجة الدبلوماسية. وقالت المصادر مطمئنة المستوطنين إنه «من غير المعقول أن تتسبب إسرائيل بحرب من اجل خيمة»، أو «بسبب استفزازات تكتيكية على طول الحدود».

 

نقاشات الحرب… والتراجع عنها

كثيرة هي الأسئلة التي أثيرت أمس حول النقاشات في جلسة إحاطة خاصة لدى حكومة العدو في شأن «استفزازات» حزب الله المتكررة على الحدود الشمالية. وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن الحديث يجري عن جلسة سرية مغلقة، وهي ليست جلسة للمجلس الوزاري المصغّر، شارك فيها كل من وزير الأمن ورئيس الأركان والاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد ورئيس مجلس الأمن القومي والسكرتير العسكري للحكومة. وقد حرص البيان الصادر عن الجلسة «السرية»، على غير عادة، على الاستفاضة في ذكر أسماء المشاركين. ومع أن توصيات الجيش لم تُنشر، إلا أن مكتب نتنياهو أشار حرفياً إلى أن «رئيس الحكومة قبل التوصيات وأساليب العمل المقترحة من قبل الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية»، من دون الإشارة إلى اتجاه تصعيدي، وبقيت الأمور حمّالة أوجه.

 

الخبر احتلّ صدارة عناوين الأخبار والتعليقات في إسرائيل، طوال يوم أمس وليله، وهو ما يفيد رئيس الحكومة والائتلاف الساعيين إلى تهدئة الداخل، وإن على حساب إثارة الخارج وتهديداته. لكن، وفقاً للمراسلين، فإن مسؤولي الجيش عرضوا أمام رئيس الحكومة السيناريوهات المحتملة في موضوع الساحة الشمالية، بما في ذلك موضوع الخيمة في مزارع شبعا وما يجب فعله في هذا التوقيت، والاعتقاد السائد أن جزءاً من حقيقة نشر نتنياهو البيان عن الجلسة ومداولاتها والتشديد على أنه صادق على توصيات الجيش، هو أنه ربما يحاول إلقاء المسؤولية على المستوى العسكري، والقول إن أي قرار يُنفذ، إذا ما نُفذ، غير مرتبط بوضعه السياسي الداخلي، بل بالتوصيات التي قُدمت من المستوى العسكري.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الشائعات أدّت إلى حالة من القلق لدى المستوطنين في الشمال الذين بادروا إلى طرح الأسئلة والبحث عن إيضاحات، ما دفع المراسلين العسكريين لإطلالات إعلامية خُصصت لتهدئة الخواطر ومنع تفاقم تأثير الشائعات، وكما ورد عن أحدهم «أحيي كل من يتصل بي من الشمال. كلا، لم يصادقوا للجيش بأن يبادر إلى حرب»، في حين قال آخر: «لو كان الأمر يتعلق بنقاش بخصوص حرب، لما تمّ تأجيله خمسة أيام وأُبلغت الصحافة به مسبقاً، لكان النقاش جرى في منتصف الليل، من دون أن يعلم به أيّ منا»، وكذلك «سمعت في الجيش الإسرائيلي من يقول: لن نتسبب بحرب من أجل خيمة».

ودفعت الشائعات أمس، القيادة الإسرائيلية لإصدار بيان استثنائي تمّ توزيعه على سكان المستوطنات شمالاً، جاء فيه أن «ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن تغيير في سياسات الجبهة الداخلية، هو نشر غير صحيحة»، مع التشديد على أن «الجبهة الداخلية في روتين مدني كامل، دون أي تغيير في التوجيهات»، فيما طالبت بلدية كريات شمونة، حيث تفاعلت الشائعات أكثر من غيرها، بأن يتجنّب الجميع نشر الشائعات التي تسبب الذعر بين السكان.

 

 

الجيش لا ينصح نتنياهو بالحرب

بحسب توصية الجيش الإسرائيلي لرئيس الحكومة والمجتمعين لديه لمناقشة الوضع على الحدود الشمالية وإمكان التصعيد مع لبنان، ورد أنه من الضروري التمييز بين الاستفزازات مثل تخريب كاميرات المراقبة وإقامة خيم في الأراضي الإسرائيلية وإطلاق المسيّرات على طول السياج، والأعمال التي تنطوي على احتمالية التصعيد، مثل الهجوم في مجيدو، المنسوب إلى حزب الله، والذي كان من الممكن أن يؤدي إلى مواجهة. وخلصت إلى أن الاستفزازات الأخيرة، في نظر الجيش، لا تشكّل تصعيداً أمنياً.

إلا أن المؤسسة العسكرية طالبت بأن يوضح لحزب الله أن خطأ واحداً قد يكون خطيراً ويتسبّب بتصعيد. فالهدف الذي يرى الجيش أن عليه تحقيقه هو «إفشال الأفعال وعدم الانجرار إلى الاستفزازات». وكان هناك إجماع على أنه من الخطأ التحرّك الآن، رغم أن داخل المؤسسة الأمنية من يعتقد أن الانتظار لفترة طويلة في ما يتعلّق بوضع خيمة مزارع شبعا، يمكن أن يخلق وضعاً سيكون من الصعب تغييره لاحقاً، ما يتسبب كذلك بضرر للردع. لكن في نهاية المطاف، غلب الرأي الأول الذي تمّت الموافقة عليه.