عام 1978 عندما كانت الظروف الامنية محتدمة في لبنان، مع بعض الارتخاء، وعندما كان سعر الليرة اللبنانية ازاء الدولار يقرب من 3 ل.ل للدولار، اقدم رئيس مجلس ادارة كازينو لبنان وجيه سعادة، بموافقة المجلس، على شراء نسبة 25 في المئة من اسهم كازينو مدريد لحساب كازينو لبنان، وكانت شركة انترا للاستثمار تملك 52 في المئة من اسهم الكازينو.
في ذلك الوقت كان الكازينو يحوز سيولة فائضة تمكنه من الاستثمار في كازينو مدريد الامر الذي وفر لشركة الكازينو مقداراً من الطمأنينة الى المستقبل، وارباح كازينو مدريد التي كان يحصل عليها كازينو لبنان كانت تقرب من 3 ملايين دولار سنوياً. وقد مثل كازينو لبنان في مجلس ادارة كازينو مدريد رئيسه وجيه سعادة والمحامي سميح قمر حتى عام 1993.
اليوم هنالك توجه الى توفير حوافز مالية للقسم الاكبر من الذين تقرر انهاء انتسابهم الى الكازينو وغالبية هؤلاء ممن كانوا لا يشاركون في الانتاج ومنهم عدد وفير من افراد عائلات كبار السياسيين.
وما لا بد من ذكره ان الموظفين الذين سيصرفون من الخدمة سيحوزون اضافة الى تعويضات صندوق الضمان الاجتماعي مدفوعات بمثابة حوافز قد تبلغ ما يعادل راتب 60 شهراً، على ان لا يزيد مبلغ التعويض على 200 الف دولار اميركي، وهذا المبلغ وحده يفوق ما يمكن توقعه في تاريخ التقاعد لاي مدير عام لأي وزارة في لبنان.
في خضم محاولات اطلاق النمو في الاقتصاد اللبناني، كثر الحديث عن منافع المشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص في مؤسسات قائمة، مثل كهرباء لبنان، او شركات يمكن ان تحقق منفعة كبرى للاقتصاد كشركة مقترحة لاستيراد الغاز المسيل من أجل تحويله الى غاز طبيعي يستعمل بداية في انتاج الكهرباء في معمل نهر البارد، وعن قريب (خلال سنتين مثلاً) في معمل انتاج الكهرباء الثاني في نهر البارد والذي تبلغ طاقته 470 ميغاوات.
واذا تحقق هذا الامر يحقق لبنان وفورات في تكاليف مشتقات انتاج الكهرباء لا تقل عن 500 مليون دولار ويمكن زيادة الوفر اذا انجزنا خطاً لنقل الغاز الى مصانع الاسمنت فنحقق وفراً اضافياً، كما تتأتى للبنان منفعة بيئية ملحوظة من هذا التوجه.
الافتراضات هذه تعلق على فرضية المشاركة بين القطاعين العام والخاص في انشاء شركة استيراد الغاز المسيل، والافساح في مجال تملك القطاع الخاص نسبة ملحوظة من محطات الكهرباء. ان هذه النتيجة لا يمكن ان تتحقق بسبب قضية عمال كازينو لبنان ومدفوعات التحفيز على قبول الاقالة، والتي لن تسمح بحد ذاتها بتوسيع حلقة الصرف مستقبلاً لان القدرة على توفير الحوافز مع تدني مداخيل الكازينو، سواء للمساهمين أو لوزارة المال التي تحوز نسبة 40 في المئة من الدخل القائم، لن تتوافر، فنكون قد أوقعنا الظلم الفادح في الموظفين العاملين بنشاط ومثابرة في الكازينو، والمصروفين في غالبيتهم ليسوا من هؤلاء.
لماذا القول بان حل قضية عمال الكازينو على الشكل المقترح، سيؤخر بعض حماسة الفريق الخاص لمشاركة الدولة في المشاريع الملحة والضرورية للبنان، سواء في مجال انتاج الكهرباء، او انشاء السدود، او ربما يوماً ما تشييد الاوتوسترادات، وشبكات المترو التي يمكن ان تنجز فوق الارض توفيراً لتكاليف الاستملاك والانشاءات التي تحتاج الى الحفر، وقد تواجه وجود آثار، يمنع القانون المس بها.
الجواب واضح وصريح. شركة الكازينو تملكها بنسبة 52 في المئة شركة انترا للاستثمار والبقية القطاع الخاص، وهذه الشركة يملك مصرف لبنان من اسهمها نسبة 35 في المئة، والدولة 10 في المئة، وتالياً غالبية اسهم شركة انترا للاستثمار تملكها مجموعة من المساهمين الافراد والمؤسسات من القطاع الخاص، وهؤلاء لا يحوزون اي فاعلية في مناقشة الامور الادارية والمالية سواء في شركة كازينو لبنان، أو شركة انترا للاستثمار. فأعضاء مجلس ادارة كل من الشركتين يعينون على اسس طائفية، ولاعتبارات سياسية. وللذكر فقط، نشير الى ان مجلس ادارة الكازينو انتهت ولايته، من غير ان تنعقد جمعية عمومية لمناقشة نتائجه المتهاوية، وتعيين مجلس جديد ينفض الغبار عن شؤون تسيير الاعمال داخلياً، وذلك بسبب مواقف السياسيين.
قد يبدو لأي متتبع لموضوع موظفي الكازينو ان مصرف لبنان الذي يملك 35 في المئة من اسهم الكازينو يتحمل المسؤولية عن تردي الاوضاع، والعكس هو الصحيح لأسباب نبينها في ما يلي.
حاكم مصرف لبنان أحرز نجاحاً كبيراً في مهمته الاساسية ألا وهي الحفاظ على قيمة النقد وضبط التضخم الى المستوى المعقول وهذه النتيجة تحققت، والحاكم استطاع تحييد لبنان عن اعباء الازمة المالية العالمية، بل ان سياساته في ضبط الشأن النقدي والمصرفي ساهمت في تدفق 24 مليار دولار من اموال اللبنانيين في الخارج الى لبنان عام 2009 ولا نزال نستفيد من الفائض الذي تحقق حينئذٍ على ميزان المدفوعات.
وهو لم يكتف بذلك بل ابتكر سياسات الدعم لشراء الشقق، ومشاريع البيئة، ومبادرات شركات التكنولوجيا والصناعة، وهذه المنهجية التي ابتكرها ساهمت في تمكين لبنان من تحقيق معدلات نمو كانت منخفضة في السنوات الثلاث المنصرمة، لكنها كانت أفضل مما تحقق في عدد كبير من البلدان الاوروبية. فالدخل القومي في اليونان انخفض بنسبة 24 في المئة خلال خمس سنوات، والدخل القومي في قبرص تدنى بنسبة 6 في المئة سنوياً منذ سنتين ومعاناة قبرص ازمة مالية شديدة.
والحاكم اطلق برامج تدريبية لموظفي المصارف سعياً الى تمكين الجهاز المصرفي من تحقيق مستويات للانضباط والابتعاد عن المغامرة. ومصرف لبنان ساهم في تأسيس معهد ESA بالتعاون مع احدى افضل كليات الاعمال في باريس، وهذا المعهد المتخصص خرج مئات الشباب والشابات ممن انطلقوا في مجالات العمل المصرفي وممن ساهموا في تطوير عدد كبير من الشركات اللبنانية.
اضافة الى هذه الانجازات، كان الحاكم قد اعلن عن نية مصرف لبنان تخصيص عدد من الشركات التي اضطر الى انقاذها تفادياً لتأثيرات سلبية على الاقتصاد اللبناني، كشركة طيران الشرق الاوسط، وساهم ايضاً في توفير ركائز نشاط البورصة، الذي بقي محدوداً بسبب الظروف الامنية، وكذلك السوق المالية، لكن توجهات التخصيص لم تتحقق لان السياسيين القوا بأثقال سياساتهم الفئوية والنفعية على اكتاف الحاكم ومعاونيه. ولا شك في ان فريق الحاكم ونوابه عملوا بشكل جيد منع لبنان من الانزلاق على رغم كل التحديات والتي منها وجود المهجرين السوريين بنسبة 40 في المئة من مجموع عدد سكان لبنان.
اذا كان للتخصص والمشاركة حظ في النجاح، سوف ترتهن الامور بالمقدار الذي يتوافر لمصرف لبنان من حرية التحرك في مجال محاسبة المديرين واختيار اعضاء مجلس الادارة، وربما نتائج شركة انترا للاستثمار برئاسة محمد شعيب، المصرفي المقتدر وصاحب الرؤية والاخلاق، تشجع السياسيين على اعطاء فرص الانجاز لمصرف لبنان وشركة انترا للاستثمار عن سبيل الابتعاد عن شؤون المؤسستين. ومعلوم ان مصرف لبنان يتمتع باستقلالية تامة – تشريعياً- لكن واقع التدخلات السياسية يتآكل هذه الاستقلالية ويعرض منافعها للانحسار.