Site icon IMLebanon

قضية نازحين أم فك عزلة.. نظام «السارين»؟  

 

أسباب مختلفة تكمن وراء الخطاب السياسي الذي يضغط بإتجاه التنسيق مع النظام السوري. الكلام عن وجوب عدم الانتظار كثيراً لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم مسألة مشروعة، ولكن لها شروطها وقواعدها، وليس أمام السلطة اللبنانية حلول متنوعة وسط ضرورة حفاظها على تحييد لبنان عن الأزمة السورية. أما إذا قرر لبنان الدخول في محور إقليمي دون آخر فإنها مسألة أخرى. وهنا تكمن خلفية الصراع الداخلي حول أسلوب التعامل مع إعادة النازحين.

وفي هذا الإطار، تقول مصادر ديبلوماسية، أن لبنان يستطيع أن يعالج مشكلة النازحين السوريين من دون التنسيق مع أحد، ويستطيع إعادة هؤلاء إلى الحدود السورية. لكن المسألة لا تقف هنا، إنما إلى أين سيعودون وكيف؟. معظم هؤلاء بيوتهم مهدمة، وسجلاتهم العقارية قد أُحرقت، بحيث ينعدم إثبات ملكيتهم، وهذه النقطة بالذات أكثر ما تستوقف الغرب، وهذه أيضاً إحدى العقبات أمام العودة وأمام إعادة الإعمار.

وقد جرى إحراق السجلات العقارية لإسكان آخرين مكانهم من طوائف أخرى، في إطار التغيير الديموغرافي الذي سعى إليه النظام وحلفاؤه. فإلى أين يعود هؤلاء وأين ملكيتهم وكيف ستتم إعادة الإعمار، وكيف ستكون علاقتهم مع النظام، وما الضمانة انهم لا يقبعون في السجون أو يتم قتلهم؟

وتشير المصادر إلى أن مفهوم اللاجئ هو في أنه لجأ نتيجة خطر على حياته، وإذا أعيد إلى بلاده من دون إزالة الخطر، يعني عدم إحترام القوانين الدولية. هذه الإشكالية في ظل عدم وجود حل سياسي تعني أن لا ضمانة للسلامة والامن. وليس هناك من إستعداد لدى الدول الغربية كلها لتمويل عملية إعادة الإعمار إلا في ظل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. وإذا تم الإعتماد على إيران في الإعمار، فهي ستقوم بالإعمار لجماعاتها، ولكن لن تعيد اعمار كل سوريا. أما الروس فليسوا من النوع الذي يدفع، وإذا لم يدفع الاميركيون والأوروبيون فلن تتم أي عملية اعمار، لا سيما وأن الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً لن تسمحا للصناديق الدولية للتمويل بأن تساهم في تمويل إعادة اعمار سوريا في هذه الحالة.

والمسألة بحسب المصادر، ليست فقط ما إذا كان لبنان ينسق مع النظام أم لا، المسألة متعلقة بقناعتين مختلفتين. الأولى، تعتبر أن النظام إنتصر، وأن هناك مناطق لا يوجد قصف عليها، يمكن للسوريين أن يعودوا إليها، وأن الحرب في سوريا هي حرب ضد الإرهاب الذي إنتهى منه النظام واستمر. أما الثانية، فتعبر أن ما يحصل في سوريا ثورة أبناء الشعب ضد نظام ديكتاتوري يقوم بقمعهم بطريقة غير إنسانية. وكيف السبيل إلى اعادتهم إلى بلدهم، في ظل تدخل عسكري روسي دعم بقاء النظام، من دون أن يكون هناك حال سياسي؟.

وبالتالي، فالمسألة ليست كيف يتم إخراج النازحين وردهم إلى ما وراء الحدود، بل السؤال مَن مِن شخصيات المعارضة يمكنه العودة إلى سوريا حتى ولو كان مشاركاً في حكومة وحدة وطنية، من المؤكد أنه سيكون في خطر حقيقي.

والمفهوم اللبناني يقول أن كل الأفرقاء اللبنانيين لا يريدون النازحين، لكن من ناحية ثانية لا يمكن للبنان أن يتجاوز المجتمع الدولي، إلى إذا كان يريد أن يتخذ موقفاً مع طرف ضد آخر، أو إذا أراد الإنحراف عن سياسة النأي بلبنان عن مشاكل المنطقة وعن الأزمة السورية، أو إذا أراد تبني رواية النظام بأن ما حصل هو إنتصار على الإرهاب وإن الأمن استتب.

كل خطاب له خلفيته، والقراءة الأولى تقترح اعادتهم حالاً والتنسيق مع النظام من أجل ذلك. أما القراءة الثانية فتفترض أن هناك اشكالية بين النظام والشعب والمسألة ليست مسألة قصف.

ويمكن للبنان أن لا ينسق مع أحد وأن يردهم خارج الحدود، لكن كيف تحل الإشكاليات الأخرى؟ وهل يلتزم بالقانون الدولي أم لا؟ الأردن وتركيا قاما بإنجاز مناطق آمنة داخل سوريا ووضعا النازحين فيها. لكن لبنان ومن جراء الخلافات الداخلية على طريقة العودة لا يمكنه السعي لمناطق مماثلة لا سيما وأن «حزب الله» والنظام يمسكان بالحدود حتى دمشق. حجة من يريد عدم الإهتمام بالعودة الآمنة، هي أن لبنان لم يوقع على الإتفاقية الدولية لعام ١٩٥١ حول اللجوء. انما لبنان ملتزم بها، وبمفهوم اللاجئين ووضعهم الآمن، مع أن وزير الخارجية والمغتربين يقول بالمناطق المستقرة وليس الآمنة، أي التي لم تعد معرضة للقصف.

فأي خطاب في النهاية سيتبنى لبنان؟ تؤكد المصادر أن هدف طرح موضوع التنسيق مع النظام ليس لأجل النازحين، أو لأن لبنان غير قادر على اعادتهم من دون تنسيق معهم. بل من أجل الرواية الأولى وهي أن الحرب انتهت والنظام إنتصر وإنه يريد فك عزلته الدولية بدءاً بلبنان ويتوسع نحو دول أخرى. ما يعني أن الهدف الحقيقي من طرح التنسيق مع النظام، هو أن يلعب لبنان دوراً في فك عزلة نظام «الكيماوي» و»السارين» والبراميل المتفجرة، بعدما حقق الأخير «انتصارات» أمنية وعسكرية بقوة روسيا وإيران وميليشياتها، والهدف ليس اللاجئين على لإطلاق.

أفرقاء أساسيون يمثلون أكثر من نصف البلد، يعتبرون أن أي تعامل مع النظام لن يعيد النازحين وأن هناك دولاً عدة لديها نازحون وعلاقة مع النظام، وكل منها لديها مليون نازح ولم يعودوا إلى بلدهم.

وتفيد المصادر، أن الأمم المتحدة لن تقبل بإعادتهم حالياً. كما أنها لنا تقبل أي تنسيق لبناني معها لهذه الغاية. والسبب في إستمرار وجود اشكاليات سياسية، متصلة بإنعدام وجود حل سياسي للأزمة، وإشكاليات مختلفة عصيّة على الحل في الوقت الحاضر.