IMLebanon

قضية العسكريين ما لها.. وما عليها

لا تزال قضية العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة» تستقطب الاهتمام الطليعي في الوسط اللبناني الداخلي على مختلف المستويات، في ظل التفاعلات التي تنجم عنها، وكان آخرها استشهاد سبعة عسكريين بعد اعتقال إمرأتين من زوجات قيادات في التنظيمَين. ويبدو أن هذه القضية للأسف لا تتجه نحو نهاية سعيدة في المدى المنظور نتيجة الارتباك الرسمي والأهلي الذي أفسح المجال أمام الخاطفين لاستثمار هذه القضية وإرباك الساحة اللبنانية من خارج الحدود بعدما أخفقوا في تحقيق اختراق مباشر للساحة اللبنانية.

ولعل النقاش الهادئ لهذه القضية الساخنة، يفضي الى تحديد مكامن الخلل التي يمكن استدراكها في المرحلة المقبلة، والنفاذ من خلالها الى النهاية السعيدة المطلوبة. وينبغي قبل ذلك تحديد العناصر المعنية بهذه القضية وتشريح مسؤولية ودور كل منها، وهي ثلاثة عناصر:

ــ أولا أهالي العسكريين: لا يمكن بأي شكل من الأشكال إلا التضامن المطلق مع هؤلاء والوقوف الى جانبهم ومساندتهم بشتى السبل وتفهم هواجسهم ومخاوفهم وقلقهم المستدام. فما من أم أو أب لأي عسكري من هؤلاء إلا ويعيش مرحلة قاسية جدا تتجاوز بمرارتها مرارة أم الشهيد وأبيه. صحيح أن والدة الشهيد تحزن وتتألم وتنتحب، وفي مطلق الأحوال تفاخر بأن ولدها هو شهيد الوطن والواجب، ثم تمر الأيام والأشهر وتتغلب فيها إرادة الحياة من دون أن تنسى، لكن والدة المخطوف تموت كل يوم ألف مرة نتيجة القلق الذي يعشعش داخلها. وعليه كان تحرك الأهالي مشروعا ومفهوما، وحقا لهم لا ينازعهم فيه أحد. ولكن عندما يصبح هذا التحرك ورقة رابحة في أيدي الخاطفين، يمسي من الضرورة القصوى مناقشة هذا التحرك وبهدوء.

ــ العنصر الثاني هو الخاطفون. فهؤلاء نجحوا نجاحا باهرا في استثمار هذه العملية من خلال تواصلهم العلني مع الأهالي واستغلال قلقهم وهواجسهم، فراحوا من خلال الهاتف أو بعض الوسطاء المشكوك أساسا في نياتهم، يحركون الأهالي بين مدينة وأخرى وبين شارع وآخر، عبر التهديد بذبح وقتل العسكريين، وذلك بهدف إرباك الساحة اللبنانية وتشتيت الجهود الخيرة المنصبة على معالجة هذه القضية. وأغلب الظن أن إطلاق سراح أنصارهم من السجون اللبنانية هو آخر أهدافهم الحقيقية، ما دامت هذه القضية تؤمن لهم بالتحايل ما عجزوا عن تحقيقه بالقتال نتيجة تصدي الجيش والمقاومة لمخططاتهم.

ــ العنصر الثالث هو الحكومة. فقد تعاملت هذه الأخيرة مع هذه القضية بأدنى قدر من الاحتراف، حتى اكتشفت أخيرا أن كل جهودها ورهاناتها السابقة ذهبت هباء منثورا. فأي تفاوض هذا مع خاطفين محترفين يتم على رؤوس الأشهاد وبشكل تنشر الصحف ووسائل الإعلام حيثياته بصورة يومية، ما سمح للخاطفين باستغلال هذه القضية؟ ولعل أغرب ما قيل ويقال إن الحكومة «تفاوض بشفافية»، في قضية ليس فيها من الشفافية شيء.

أمام كل ما تقدم، بات من الضرورة بمكان تعديل مسار العملية التفاوضية التي باتت مقبولة من الجميع. وهذا يتطلب:

ــ إقناع أهالي العسكريين بوقف تحركهم السابق الذي لم يؤد الى نتيجة، بل فاقم الأمور وأربك المعالجة، والتزام منازلهم وتشكيل لجنة متابعة تتواصل مع الدولة عند الضرورة، وعلى قاعدة تسليم أمورهم للعلي القدير.

ــ حصر القضية حكوميا برئيس الحكومة ووزيرَي الداخلية والدفاع، وتكليف شخصية خبيرة بالتفاوض المباشر مع الخاطفين، وسط تكتم شديد وبعيد عن التسريب الإعلامي الذي أضر بهذه القضية.

يبقى من الصراحة القول إن هذه القضية لا تنتهي إلا بتسوية أو صفقة قد تحتاج الى أثمان أو تنازلات غير منظورة تبقى عادة طي الكتمان، بهدف الحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة. وعليه، فإن السريّة في هذا المجال أكثر من ضرورية للوصول الى النهاية السعيدة المنشودة. فليتسلم الخبز خبازه، وعلى الله الاتكال.