في غمرة القضايا المصيرية الكبرى التي يعايشها اللبنانيون بقلق كبير وخوف واضح من الغد، تقع سلسلة تطورات بالغة الخطورة لم تعد تأخذ الحيّز الذي تستحق من الإهتمام. ولعل في طليعتها مسائل النفايات التي غابت (أو غُيّبت) من الواجهة »بفضل« مسألة الإنترنت التي رغم ضخامة ما أثير حولها إعلامياً وسياسياً وقضائياً تبدو آيلة الى الغياب والتغييب. وكذلك مسألة قتل الزوجات التي شهدنا في الأيام الأخيرة فصلين مثيرين من مسلسلها الإجرامي سقطت سيدتان في عمر الورود ضحيتين لهما ولهذا المجتمع الذكوري التافه الذي يعبّر عن ذكوريته في أبشع الصور والأساليب والمظاهر… وإن هو (فعلاً) إلاّ مجتمع عِنّين (…) علماً أنه بعد ثلاثة أيام لم يعد أحد يتحدث عن الضحايا.
وكان لافتاً في هذه المسائل ما تكشفت عنه مداهمة مقرّين متلازمين لبيوت الدعارة من حقائق مذهلة ومروّعة نكاد لا نصدق وقائعها حتى عندما نراها في الأفلام السينمائية أو خصوصاً على أقنية تلفزيون الواقع.
أولاً – المذهل هذا العدد الكبير من الفتيات النازحات المغرر بهن. نحن نعرف، كما يعرف آخرون، ما يجري في الشارع وعلى الطرقات من »عروض« بخسة الأثمان لصبايا يافعات، بعضهن مراهقات، وبعضهن طفلات لا يتجاوزن السنوات العشر من أعمارهن. وذلك كله بسبب »الجوع الكافر« على حد قول الأديب الراحل فؤاد سليمان في الجوع: »ويله، ويل أمه كم هو كافر«.
ولكن ان تكون هؤلاء الفتيات محتجزات قسراً في ما يسمى (تجاوزاً) فندق، بما يشبه المعسكرات النازية أو الإرهابية اليوم، فهذا ما لا نقبله لبلدنا على الإطلاق.
ثانياً – أن يتبين من التحقيق الأولي أنّ هؤلاء الفتيات، عاثرات الحظ، يقعن في فخ الحَبَل، فيحملن في أحشائهن ثمرات تلك العلاقات التي يرجع مردودها المالي الى القوّادين المجرمين وأبرزهم رجلان نازحان أيضاً… أن يتبين ذلك يعني أن تلك العلاقات الجنسية تُـجرى بعيداً عن أي وقاية صحيّة… ما يعني ايضاً أنّ المئات، وربما الآلاف من الرجال ممن يرتادون تلك الأمكنة تعرّضوا، أو هم معرّضون، للأمراض الجنسية السارية، وبعضها خطر جداً.
ثالثاً – أما الطبيب، أو الأطباء (لا نملك المعلومة الدقيقة) الذين تولوا إجهاض أولئك الفتيات، فلا يجوز أن يمرّ عملهم الجرمي من دون محاسبة… أقله لعدم تبليغهم السلطات المعنية… وقد تردد أن عمليات الإجهاض التي تمت بالمئات! فأين الضمير، وأين قَسَم أبيقراط يا أيها الطبيب؟ وما دور نقابة الأطباء إزاء هذه الحال المذرية.
رابعاً – وأما التعذيب الذي عاينا صوره على أقدام بعض الفتيات حرقاً بالسجائر فهو ليس فقط ممّا يؤلم ويدمي القلب، بل هو أيضاً ما يؤكد أننا نعيش (مع هؤلاء المجرمين) في غابة من الوحوش… بل لعلّ الوحوش أرحم.
وأخيراً، لا نريد أن نربط ما يجري بملف النازحين، وإن كان فصله عنه صعباً!