بين توقف العدوان الإسرائيلي ضدّ لبنان على زغل، وانفجار الحرب على نطاق واسع في سوريا، انطلقت محاولة جديدة لانتخاب الرئيس اللبناني، فيما الأرض تهتز تحت الجمهورية وحولها.
تكثر التساؤلات هذه الأيام في شأن السيناريو المرجح لجلسة 9 كانون الثاني النيابية، وما إذا كانت ستفضي إلى العثور على الرئيس المفقود ام لن تتعدى كونها رقماً إضافياً في عدّاد الوقت حتى الآن، في شأن ما ستؤول إليه هذه الجلسة المفصلية التي سيظل مصيرها غامضاً حتى إشعار آخر، وسط اتجاهين متعارضين يتحكّمان بالنظرة اليها:
الأول، يستبعد ولادة الرئيس لأسباب داخلية وخارجية، والثاني يجزم بأنّ الشغور سيُملأ في 9 كانون الثاني بالاسم المناسب.
بالنسبة إلى المتشائمين، لم يتهيأ بعد الظرف المؤاتي لإنجاز عملية الانتخاب، خصوصاً انّ التصريحات الأخيرة لمستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب اللبناني مسعد بولس لا تشجع كثيراً على التفاؤل، وهو الذي نصح بعدم التسرّع والانتظار فوق الموعد المحدّد شهرين او ثلاثة لإنضاج الخيار الرئاسي المناسب، على قاعدة انّ من انتظر سنتين لن «يغصّ» ببضعة اسابيع إضافية.
ويلفت هؤلاء إلى انّ موقف بولس يوحي أنّ المظلة الخارجية لإنجاز العملية الانتخابية غير مكتملة بعد، وأنّه يجب الانتظار حتى يتسلّم ترامب السلطة رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل لكي يُبنى على الشيء مقتضاه، في اعتبار أنّ الإدارة الجديدة تتطلّع إلى أن يكون لها رأيها في ترتيب الوضع اللبناني ضمن رؤيتها لإعادة هندسة مجمل وضع المنطقة.
ويعتبر أصحاب هذه المقاربة انّ ما يمكن أن ينقذ جلسة 9 كانون الثاني هو التوصل إلى شبه إجماع لبناني على اسم محدد بمعزل عن الإرادة الخارجية، الأمر الذي يبدو صعب التحقق، أقلّه حتى اليوم، بفعل الصفوف المبعثرة والأجندات المتضاربة في مجلس النواب، إلى جانب انّ عدم تأمين الغطاء الخارجي للرئيس المقبل قد يعقّد مهمّته الدقيقة ويقلّل فرص نجاحها، خصوصاً انّ ورشة النهوض بالبلد في المرحلة المقبلة تتطلّب دعماً وازناً من الجهات الاقليمية والدولية المعنية برعاية الملف اللبناني المعقّد.
ويستشهد هؤلاء بتجربة الرئيس ميشال عون الذي وصل إلى قصر بعبدا على متن التقاطعات المحلية بالدرجة الأولى، استناداً إلى فرضية انّ الموافقة الخارجية يمكن أن تكون لاحقة وليست مسبقة، فإذا بحسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر، بعدما وقع الصدام بينه وبين بعض القوى الإقليمية والدولية التي فرضت نوعاً من الحصار على عهده.
اما المتفائلون بوجود فرصة حقيقية لانتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة المقبلة، فيفترضون انّ الرئيس نبيه بري ما كان ليدعو اليها اصلاً لو لم يكن بحوزته طرف خيط يمكن الانطلاق منه والنسج عليه، ثم انّ دينامية اتفاق وقف إطلاق النار لا بدّ من أن تسري، في رأيهم، على الاستحقاق الرئاسي، مشيرين إلى انّ قوة الدفع التي أنتجت هذا الاتفاق ستكون كفيلة أيضاً بملء الشغور الرئاسي.
ويعتبر المستبشرون خيراً انّ الفترة الفاصلة عن موعد الجلسة كافية لطهو الطبخة الرئاسية على نار متوسطة وفق مقادير مدروسة وبمساعدة «الشيف» الخارجي المتمثل باللجنة الخماسية التي طالبها بري بأن تساعد لبنان في ما يريده هو لا ان تُفرض عليه ما تريده هي.
وانطلاقاً من هذه المعادلة، يعتبر المبشرون بالإيجابية انّ «المواد الأولية» لصنع اسم الرئيس ستكون محلية، «أما التجميع والتوضيب فستتولاهما عواصم القرار، بحيث يأتي الاسم حصيلة تقاطع داخلي ـ خارجي، وهذه هي الصيغة الأنسب لانتخاب»آمن» يسمح للعهد المقبل بانطلاقة قوية، والّا فإنّ حصول الانتخاب بمعركة كسر عظم في المجلس سيعني معالجة أزمة وتفجير مجموعة أزمات أخرى في المقابل».