IMLebanon

قمّة جدّة: تكريس الفيتو السعودي – الأميركي في الرئاسة اللبنانية

 

 

لم يغب لبنان عن بيان قمّة جدّة للأمن والتنمية التي حصلت «بدعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ومشاركة قادة دول مجلس التعاون، والأردن، ومصر، والعراق، والولايات المتحدة، هدف تأكيد شراكتهم التاريخية، وتعميق تعاونهم المشترك في جميع المجالات».

 

إذ جاء في الشقّ اللبناني من البيان المشترك أنّ المشاركين عبّروا عن «دعمهم لسيادة لبنان، وأمنه واستقراره، وجميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي، ووجهوا دعوة لجميع الأطراف اللبنانية لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية، ودعم دور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان، والتأكيد على أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية».

 

يعني بالنتيجة، ثمة ثلاث مسائل أساسية ركّز عليها البيان العربي-الأميركي المشترك ليتناول من خلالها الوضع اللبناني الغارق في وحول الانهيار النقدي والاقتصادي والاجتماعي، وهي:

 

أولاً، إقرار الإصلاحات المطلوبة من السلطات اللبنانية للخروج من عنق زجاجة الانهيار للتأكيد مجدداً على أنّها معبر إلزامي لن تتخطاه أي دولة معنية بالملف اللبناني، حيث يترك أمر مراقبة هذه الإصلاحات لصندوق النقد الدولي الذي سيكون برنامجه الداعم بمثابة فيزا لعودة لبنان إلى ساحة الاستثمارات الدولية.

 

ثانياً، دعم القوى الأمنية وهو مطلب الولايات المتحدة الأميركية التي تحرص على حماية المؤسسات الأمنية وفي طليعتها الجيش اللبناني، وذلك على طريق مطالبتها بحصرية السلاح بيد الدولة.

 

ثالثاً، وهو البند الأهم في هذه اللحظة المفصلية، ويتصل بالاستحقاق الرئاسي من خلال الدفع باتجاه الانتخابات في موعدها من دون أي تأخير.

 

في الواقع، تكمن أهمية هذه الدعوة، في توقيت إطلاقها، عشية دخول البلاد في مدار الاستحقاق الرئاسي وسط مطالبات تكاد تجمع مختلف القوى السياسية، على إجراء الانتخابات في موعدها، أي في الخريف المقبل حيث من المنتظر أن يلتزم رئيس مجلس النواب نبيه بري بالمهل القانونية التي يفرضها الدستور لدعوة مجلس النواب للقيام بواجبه الانتخابي.

 

وبالتالي من المرجح ألّا يتأخر بري في القيام بهذه الخطوة من خلال دعوة النواب، مطلع شهر أيلول المقبل للتوجه إلى البرلمان لانتخاب رئيس جديد، بمعنى التزامه «الحرفيّ» بنصّ المادة 73 التي تحدد المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس وتتضمن التالي: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس». وهذا يعني أنّ اولى جلسات الانتخابات الرئاسية قد تكون بعد أقل من شهرين.

 

حتى الآن، لا مرشّح رسمياً للرئاسة الأولى. ويرجّح أن يكون رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية أول المندفعين باتجاه السباق الرئاسي خصوصاً وأنّه استهل حركته بجولة لقاءات مع بعض الشخصيات والأصدقاء، بعيداً عن الأضواء، ويُنتظر أن يتوسع في حركته خلال الأيام المقبلة. أمّا غير ذلك، فلا يزال الاستحقاق أشبه بلعبة المتاهة التي يخشى كُثر أن يدوسوا عتبتها، خوفاً من احتراقهم!

 

وحتى الآن أيضاً، يبدو أنّ قوى الثامن من آذار تراهن على استقطاب أكثرية نيابية، اذا ما جرى الالتزام بقاعدة المشاركة من جانب مختلف القوى السياسية لتأمين نصاب الثلثين، لكي تتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية من صلبها، لا يكون تفاهميّ الطابع، في تكرار لتجربة الرئيس ميشال سليمان. وهنا لا بدّ من تأمين تأييد فريقين أساسيين، وهما قدامى «تيار المستقبل» ووليد جنبلاط، اذا ما رفض رئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل أن يكون شريكاً في مشروع دعم هذا «الرئيس». أمّا اذا كان على الضفّة المؤيدة، فستكون الحسابات مختلفة.

 

بهذا المعنى، يصير لبيان قمّة جدة أهمية قصوى، بكونه يشجّع بدوره على عدم مقاطعة الاستحقاق الرئاسي، لا بل على الدفع باتجاه إجرائه في موعده وتأمين النصاب القانوني. اذ يقول أحد المتابعين للشأن السعودي إنّ القمة كرّست الشراكة السعودية-الأميركية في هذا الاستحقاق ليكون مدخلاً أساسياً لوقف النزيف اللبناني والانطلاق في ورشة النهوض الاقتصادي. ويضيف أنّ السيناريوات التي تحسم ضمان قوى الثامن من آذار للأغلبية النيابية، مبالغ فيها لأنّ الرياض لا تزال تتمتع بفيتو معطّل في ميزان البرلمان، وقد كرّس البيان الختامي للقمّة العربية – الأميركية حقّ النقض هذا، ويمكن تأمينه من خلال عدة كتل نيابية، بينها «قدامى المستقبل» الذين سيلتزمون في نهاية المطاف بخريطة الطريق الرئاسية التي ستضعها الرياض.