استبقَ كثيرٌ من المراقبين والمحللين العرب أحداث ووقائع قمة الظهران، قبل أن تبدأ، بالقول الجازم إن لا مكان لفلسطين أو القدس في هذه القمة العربية. فجاءهم الرد الصارم من رئيس القمة الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإطلاق اسم (قمة القدس) على القمة العربية التاسعة والعشرين بمدينة الظهران السعودية.
لم يكن مردّ إخفاق المحللين بسبب خطأ في المعلومة بل بسبب خطأ في تحليل المعلومة، والشيطان إذا فاته تزييف المعلومة فلن يتوقف عن محاولة تشويهها عبر تحليل مزيّف لها!
ظنَّ المحللون الخاطئون بأن تأكيد السعودية حل الدولتين وحق اليهود في أن تكون لهم دولتهم هو تخلٍّ عن الحق الأساس في حل الدولتين وهو قيام الدولة الفلسطينية الكاملة على عاصمتها القدس، كما ظنوا بأن التنامي الكبير في العلاقة والشراكة مع الولايات المتحدة سيمنع القيادة السعودية من استنكار ورفض قرار الإدارة الأميركية جعل القدس عاصمة إسرائيل!
وفي حين ظن المحللون بأن الجميع قد تخلّى عن القضية الفلسطينية، قدّمت السعودية في القمة الفارطة نوعين من الدعم: معنوي عبر إطلاق اسم القدس عليها. ومادي من خلال التبرع بمئتي مليون دولار للأوقاف في القدس وللاجئين من أبناء فلسطين.
تعاملت قمة الظهران مع العدوّين الرئيسين المحيطين بالمنطقة بمنتهى الواقعية والوضوح، فقد أرسلت رسائل جليّة إلى إسرائيل بأن القدس ما زالت في قمة الاهتمام وأن القضية الفلسطينية ستظل القضية الأولى، وفق ما أكد خادم الحرمين الشريفين في كلمته الافتتاحية الواضحة جداً. كما أرسلت الكلمة الملكية رسائل لا تقل وضوحاً إلى إيران، بأن تتوقف عن تدخلاتها العدوانية السافرة في الشؤون العربية وعن تحشيدها الإجرامي للميليشيات التخريبية في العواصم العربية.
أما الرسالة اللوجستية الدقيقة فقد تجلّت بذكاء في انعقاد القمة العربية على أرض مدينة الظهران على الساحل السعودي الشرقي، وكأن الهدف إسماع الصوت العربي الموحّد للسياسي المشاغب في طهران.
للأسف. فإنه يحيط بمنطقتنا أكثر من عدو ويتربص بنا أكثر من غول، ونحن لسنا مضطرين لاختيار عدو واحد فقط بين هؤلاء الأعداء والغفلة عن الآخر أو عن الآخرين، هذه هي خلاصة القمة الاستثنائية في مستوى تمثيلها الرفيع، والمتوازنة في نقاشاتها والصارمة في قراراتها.
نعم، لدينا أكثر من عدو، لكنّ لدينا أصدقاء كُثُراً، أكثر بكثير من أعدائنا.