Site icon IMLebanon

أبعد من فعل الخير… ولاء “الفقراء” إلى “جهاد البناء”

 

باسمِ البندورة والخس و”البقّ” والموز

 

في جلسة ضمّت مواطنين سوريين، خبراء في الإقتصاد والسياسة، برز الكلام عن عدد أرغفة الخبز المتاحة، كحدٍّ أقصى، لكل سوريّ أسبوعياً (فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان)، وعن البنزين المفقود وعن المياه والكهرباء “بالقطارة” وعن شراء أفراد من آل الأسد جنسيات في “أوقيانوسيا” بمبالغ خيالية، وعن دولة الكبتاغون السورية، والنَفَس المقطوع، وتحليق الأسعار في “سوريا-الأسد”، وعن كل القرف، حتى وصلوا الى حركة “جهاد البناء- فرع سوريا” واصفين إياها “بنسخة “حزب الله” السورية” التابعة الى الحرس الثوري الإيراني التي نجحت، من مدخل العمل الخيري، في “تشييع” البشر والقبض على الأرض. فهل “جهاد البناء” في لبنان وسوريا والعراق حركة خيرية أم ميليشيا أخرى إيرانية؟

 

ليست المرة الأولى التي تلفت فيها هذه الحركة الأنظار بأفعالها المموهة، لكن أن “تستكمل” أفعالها، حيث تشاء وحين تشاء، بحرية مطلقة، محققة مشروعها الكبير، مستعينة بكل الوسائل في سبيل “استعمال” الفقراء في دول “الممانعة” وجذبهم الى فلكِها واستخدامهم لاحقاً كأداة في تحقيق مشاريع أكبر من لبنان وسوريا والعراق فهو أمرٌ توقف عنده خبراء سوريا جازمين “أن السكوت ليس دائماً من ذهب”.

 

لبنانياً، “جهاد البناء” مؤسسة عقارية يديرها “حزبُ الله”، هدفها المعلن التخفيف من آثار وأضرار الحرب الأهلية ومقاومة إسرائيل. وهذه السنة إحتفلت المؤسسة ببلوغها سن الثالثة والثلاثين. ويوم أعلن سيّد “حزب الله” الجهاد الزراعي والصناعي قبل عام سارعت جمعية مؤسسة “جهاد البناء” الإنمائية مع جمعية “القرض الحسن” الى إطلاق “مشروع صندوق التيسير للقروض الصغيرة”.

 

تصدير العمل التنموي

 

كل شيء جاهز دائماً في دويلة “حزب الله” في لبنان للعبِ دور الدولة “المتخاذلة” طبعاً دائماً. لكن، ماذا عن المشروع الأوسع الذي يشمل سوريا والعراق أيضاً؟

 

الخبير الإقتصادي السوري يونس الكريم يتناقش مع آخرين في ما آلت إليه الأحوال وصولاً الى توسع “حالة جهاد البناء”. فماذا لديه من معلومات في الموضوع؟ أو لنقل ماذا لديهم جميعاً في الموضوع؟ يتحدث هؤلاء عن عمل دؤوب لكن “مشبوه” تقوم به تلك الحركة في مناطق سورية عدة تحت ستار زراعي أما المخطط الأبعد فيكمن في خلق طبقة موالية لإيران قوامها فقراء سوريا. فهذه الحركة دأبت منذ العام 2017 على الإستثمار في مشاريع لا يستثمر فيها “الأقوياء الآخرون” في البيئات الفقيرة، فتعمل على خرقها من خلال توزيع صناديق بندورة وبذور وشتول وبذلك تتمكن من تشكيل أكبر عدد من الأيدي العاملة يُصبح مصيرها مرهوناً بهذه الحركة بالذات. وبذلك تتحقق مقولة “طعمي الفم تستحي العين”.

 

تعتمد جهاد البناء- فرع سوريا في حراكها “إقتصاد الخوف”. “فمن هذا الباب بالذات، بحسب يونس الكريم، تدخل تلك الحركة على المجتمعات السورية الفقيرة وتقوم بتأهيل كوادرها البشرية “لغايات في نفسها” مع لعبها طبعاً على الوتر النفسي والعاطفي”. يضيف “يلامس الجهاد الإسلامي المتمثل بجهاد البناء تلك الفئات مستغلّاً تردي الوضع الإقتصادي في كل من لبنان وسوريا والوضع في العراق أيضاً من خلال جهاد البناء- جناح العراق. وطالما إستفاد “الجهاد الإسلامي” في تحقيق طموحه ذاك من الأموال في البنوك الدينية والمزارات التي تحتوي على مليارات الدولارات، لكن مع تفشي جائحة كوفيد-19 وما تبع ذلك، أصبحت تجارة المخدرات نبض كل الحركات التي تحتاج الى مالٍ لمواصلة نشاطها المزدوج، خصوصاً مع إشتداد العقوبات. وأصبح التركيز على تجارة المخدرات كبيراً. هنا لعبت جهاد البناء، ودوماً بحسب الخبير الإقتصادي- السياسي، دورها معتمدة على الكوادر في المناطق من أجل تصنيع وبيع ونقل المخدرات، بحجم يفوق قدرة الدول التي تتواجد فيها على تصنيعها. فالمواد المصنعة يفترض دفع ثمنها نقداً “كاش” وهذا ما تعجز عنه الدولتان اللبنانية والسورية في ظل العجز السائد، من العملة الخضراء، لديهما. ويُحكى هنا عن وثائق ومعلومات دقيقة في الموضوع لدى أحد الأطراف الإستخباراتية ستعلن قريباً.

 

“إقتصاد الخوف” المعتمد تجاه المواطنين يوازيه “إقتصاد الضرورة” الذي تنطلق منه الجماعات الهادفة الى استجلاب الولاء المطلق ومحور هذا الإقتصاد “تجارة المخدرات” الذي سيسود، ما دام الحال على ما هو عليه في هذه البقعة الجغرافية المسماة “الممانعة”، الى أمد قد يكون بعيداً. فلا شيء قادر على إستقدام “الدولار الطازج” في هذا الوقت غير الكبتاغون وفي هذا الإطار يعلق يونس الكريم “على الرغم من حجم مأساة ما حصل في ميناء بيروت فإن الحسنة الوحيدة أن تجارة المخدرات باتت تخرج أيضاً من موانئ سوريا لا من لبنان وحده.

 

الواجهة المدنية للحرس الثوري

 

جهاد البناء مؤسسة بحجم دول. إنها المؤسسة المدنية للحرس الثوري الإيراني. إنها الواجهة المدنية. ويعمل فيها خمسة آلاف موظف ولديها 853 مؤسسة وتتعاون مع 5000 مقاول وتاجر. وهناك من يحكي عن 650 ألف عامل آخرين يتعاونون معها في داخل إيران وحدها. وبالتالي، إنها القوة الإقتصادية لإيران في العراق وشمال أفريقيا والمغرب العربي وسوريا ولبنان وغزة. وعملها يتلاقى مع نشاط مؤسسة “خاتم الأنبياء” الإيرانية، حتى أن هناك من يقول أنها نفسها، مع فارق أن الأخيرة تعمل علناً في الدفاع.

 

خبراء سوريون راقبوا نشاط جهاد البناء في سوريا وما رأوه في الواجهة: غرس البذور. تأمين اللقاحات البيطرية. تعليم زراعة الخس والخروب. كيفية معالجة البق. طرق الحد من النفايات. معايير السلامة في إستخدام المبيدات. شجرة الرمان. إنارة ضوئية لإحدى المدارس. جميل كل ذاك، لكن هل هو كل شيء؟ جهاد البناء تبحث في دولنا الهشة عن أكثر المناطق “رخوة”، عن أكثر الناس في القعر، عن المهمشين، لتجعل منهم “القوة المعطلة” لأي قرار لا ينسجم مع قرار “الحرس الثوري الإيراني”. هؤلاء يصبحون بالتالي أصوات تلك الجماعة، يُستخدمون في كل إستحقاق إنتخابي (يقال إنه بحت ديموقراطي). هكذا كان الحال، وهذا ما يستمر عليه، متمثلاً بالتلاعب بمشاعر البسطاء ومخاوفهم لجذب ولائهم”.

 

ماذا عن أكثر المناطق “هشاشة” في سوريا التي يسهل التلاعب حالياً، من قبل تلك الجماعة، بها؟

 

هناك، في دمشق، في العاصمة التي شبّهت بالزنبقة، يتحدثون عن أن أكثر البؤر فقراً وتأثراً هي العاصمة السورية. وهناك تركيز أيضاً على مناطق شمال شرق الفرات، على بوكمال وصولاً الى دير الزور. عملية التلاعب على المشاعر تسهل أيضاً في السويداء، حيث تلعب تلك الحركات الإيرانية على بعض الإشكاليات القائمة لدى الدروز من أجل حثّ هؤلاء، الذين انشقوا عن الدولة الفاطمية، على التشيّع.

 

كلام كثير يسري، ننصت إليه، وأكثر ما يلفتنا هو ذاك التشابه الكبير بين ما يدور هنا، في لبنان، وبين ما يدور هناك، في سوريا. نفس الأزمات، نفس السياسات، نفس الكلام عن بطاقات تموين و3 ربطات خبز لكل أسرة بالسعر المدعوم وقارورة غاز واحدة شهرياً وعن مساعي إيران للإمساك بالمنطقة من خلال مؤسسات زرعتها في كل مكان. إنها السياسة التي أطلقتها قبل أكثر من ثلاثين عاماً في المنطقة وكان “حزب الله”، المنطلق من لبنان، نواتها. هناك، في سوريا، يتحدثون عن قرار إيراني إتخذ في العام 2016، منذ اشتدّ الصراع بينها وبين روسيا في سوريا، لتحولها الى استراتيجية البحث عن الفقراء (وما أكثرهم) وبذلك يتم تكريس طبقة موالية لها.

 

ليست المرة الأولى التي تحلّ فيها مؤسسة جهاد البناء واستراتيجيات إيران ضيفة على نقاشات السوريين، لكن اتساع الحراك في الآونة الأخيرة جعل هؤلاء يُسلطون الضوء على هذا “التكتيك”، خصوصاً أن المنطقة تتغيّر، وهذه الفرصة أمام إيران قد لا تتكرر وستستفيد منها حتى النهاية. في هذا الوقت بالتحديد، لفت البعض إتساع ظاهرة تملك إيرانيين لمنازل سوريين. فما أسباب ذلك؟ يجيب الخبير الكريم “كثير من الإيرانيين تمّ تجنيسهم، وبالتالي طبيعي أن يشتري هؤلاء عقارات، كما أن تجارة الكبتاغون تحتاج الى نقاط بيع ومستودعات، كما ان القرب من الناس، وهي الإستراتيجية المعتمدة لتشكيل حاضنة لهم، تتطلب ذلك”.

 

في كل حال، يلفت كثيرون قيام جهاد البناء بإعادة تأهيل العشوائيات في ريف دمشق، وإشغال إيرانيين لبيوت كثيرة فيها، وبذلك يحدث التغيير الديموغرافي المرتجى.

 

هذا في سوريا، فهل هناك لزوم لنسأل: ماذا عن لبنان؟ هناك من بدأ يشعر في لبنان أننا أصبحنا في “القبضة الإيرانية” والتفلت منها يصعب يوماً بعد يوم. فهل هذا إيذان بنجاح المشروع الإيراني على إمتداد لبنان أم أن الفقر الكثير قد يقلب الآية الى غضب كبير لا الى ولاء أعمى؟ حين يطل سيد “حزب الله” حسن نصرالله ويتحدث عن المقاومة بالزراعة والموز والخس والبقدونس والبندورة فهو يقصد “جهاد البناء”، “فهي التي تحمي وتبني وتزرع وتقف في الأزمات إقتصادياً وإجتماعياً مع الفقراء”. ماذا عن “الدول” حين يُصبح الأمن فيها لسواها، والزرع والبناء والحماية فيها لسواها، وقرار الحرب والسلم فيها لسواها؟