IMLebanon

ضرورة العودة الى المطالبة بفرص العمل

 

 

بدأت الثورة في لبنان في 17/10/2019 وطغت على مطالب المعتصمين المطالبة بفرص للعمل لوقف هجرة الكفاءات والمتخرّجين الجامعيين. وكم شاهدنا من مقابلات على شاشات التلفزيون لمتظاهرين وهم يطالبون بعمل ودخلٍ يسدّان بهما حاجاتهم الحياتية.

 

ما ان ظهرت مشكلة عدم توفّر السيولة في البنوك وإجراءات المصارف المتعلّقة بعدم توفير مدّخرات المودعين، حتى تحوّلت التعليقات والبيانات والمحاضرات والمقابلات التلفزيونية إلى تحليل مستفيض للوضع المالي المأساوي وأسبابه ومسبّبيه من حاكم مصرف لبنان إلى جمعية المصارف إلى الحكومات المتعاقبة، وإلى رؤساء الوزارات ووزراء المالية ومجلس النواب وكل من له تعاطٍ بالشأن العام. وصلت التعليقات إلى حد اتهام رؤوس كبيرة بالفساد وسرقة المال العام والهدر والتهرّب الضريبي وسوء إدارة الدولة والاستفادة غير المشروعة، وغيرها من الموبقات التي أوصَلت الوضع المالي في لبنان إلى درجة الإفلاس الحقيقي.

 

على أهمية تحليل الوضع المالي المأساوي، يبدو أنّ مشكلة البطالة التي وصلت إلى 40%، وهي على ازدياد مع إقفال العديد من المؤسسات التجارية والصناعية، لم تعُد مطلباً يأخذ حجمه الحقيقي في الساحات.

 

من الواضح أنّ معالجة الشأن المالي تتطلّب العديد من الإجراءات القانونية والقضائية، وهي غير متوافرة في غياب حكومة فاعلة وفي ظل مجلس نواب مطعون في شرعيّته الشعبية بعد الانتفاضة، وغياب هيئة قضائية مستقلة تتمتع بصلاحيات استثنائية للملاحقة وإصدار الأحكام.

 

لذلك فإنّ عودة المتظاهرين للتركيز على مطلبهم الأساسي، وهو إيجاد فرص عمل للعاطلين واستيعاب الكفاءات وخرّيجي الجامعات، هو المدخل الملحّ الواجب إعادة إحيائه في كل الساحات وفي كل المناطق اللبنانية.

على أنّ تحقيق هذا الأمر ليس بالعسير على أي حكومة، ولا يتطلّب من الدولة أي التزامات مالية بل تشريعات حِمائية فقط لا غير.

هنالك مسلّمات محسوسة ملموسة لا يمكن تجاهلها يمكن الإعتماد عليها لإيجاد الحل لمشكلة البطالة، وهي:

 

 

-1 بلغ العجز في الميزان التجاري 17,5 مليار دولار سنوياً. أي أنّ قيمة الواردات بلغت 20 مليار دولار بينما قيمة الصادرات تدنّت تدريجاً إلى 2,5 مليار دولار سنوياً، بالرغم من وجود اتفاقيات للتبادل التجاري الحرّ مع الدول العربية والأوروبية.

 

-2 يتطلّب الاستيراد توفّر العملة الصعبة وفي مقدمتها الدولار، وهذه أصبحت نادرة الوجود لدى المصارف أو التجّار.

 

-3 أصبح لبنان بلداً ريعياً بسبب تبنّي الحكومات المتعاقبة منذ عام 1992 حتى الآن سياسة الانفتاح المتوحّش، فغَزت لبنان المنتجات الصناعية والزراعية المدعوم إنتاجها أو تصديرها أو الإثنين معاً من الدول المصدّرة كالولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية وتركيا والصين والدول العربية. نَتج عن ذلك إقفال العديد من الصناعات والتوقف عن زراعات عديدة، ونتجَ عنه أيضاً تعاظم البطالة.

 

-4 يهاجر من الكفاءات وخريجي الجامعات ما لا يقل عن 25,000 متخرّج من لبنان إلى بلدان عربية وغربية سنوياً. كان هؤلاء يُورِّدون إلى لبنان حوالى 7 مليارات دولار سنوياً، وكان المسؤولون يتباهون بهذا الإنجاز. لكن الحقيقة الصاعقة هي أنّ كلفة كل متخرّج هي نصف مليون دولار منذ ولادته حتى تخرجه، الأمر الذي جعل هذا الإجراء يخسّر لبنان حوالى 6 مليارات دولار سنوياً عدا عن قيمة إنجازاتهم في لبنان فيما لو توافرت لهم فرص العمل فيه والمساهمة في نهضته.

 

مما تقدّم، يمكن الإستنتاج أنّ حل مشكلة البطالة يتطلب إعادة إحياء القطاعات الإنتاجية صناعية كانت أم زراعية. لكن هذا الأمر يتطلّب الاستثمار في هذه القطاعات، وبالتالي توفير فرص العمل. لكنّ المستثمرين لن يُقدِموا على الإستثمار في ظل وجود اتفاقيات تبادل تجاري حرّ موقعة مع لبنان. لذلك أصبح لزاماً على الحكومة تجميد العمل بهذه الإتفاقيات، ثم وضع رسوم جمركية فاعلة لا تقل عن 50% مع حد أدنى للاستيفاء الجمركي على كل منتج يتمّ إنتاجه أو يمكن أن ينتج في لبنان وذلك بصورة فورية.

 

هكذا إجراء سوف يحفِّز المغتربين الراغبين في العودة إلى لبنان وكذلك المقيمين أو حتى غير المغتربين للعودة بمدّخراتهم والاستثمار في القطاعات المحميّة جمركياً، وبالتالي يُوفِّرون فرص العمل للعاطلين.

 

رُبّ قائلٍ انّ هكذا رسوم جمركية سوف تزيد من كلفة المعيشة. هذا صحيح، لكنّ علاجه لا يختلف عن أي زيادات في قيمة المستوردات لدى حدوثها.

 

العلاج يكمُن في رفع الحدّ الأدنى للأجور والأجور الأخرى، تماماً كما حدث في عام 2008 لدى حدوث أزمة اقتصادية عالمية زادت معها أسعار المنتجات المستورَدة إلى لبنان وتلاها رفع الحد الأدنى للأجور من 350,000 ل.ل. إلى 675,000 ل.ل. من دون اعتراض أحد من التجار أو المنتجين اللبنانيين.

 

هكذا، وهكذا فقط يمكن معالجة مشكلة البطالة وعودة لبنان إلى نادي الصناعيين والمزارعين المنتجين، وتهيئة لبنان ليصبح بلداً صناعياً وزراعياً يوفّر العديد من غذائه وصناعاته، ويهيّئ ذاته ليصبح في إمكانه تصدير مثل هذه المنتجات بعد المرور بمراحل تخفيض كلفة الإنتاج وتحسين النوعية.