Site icon IMLebanon

فرحة بيروت وغصَّة السياسة

 

بجدارة، استطاعت بيروت ليلة رأس السنة أن تنافس

بجدارة، استطاعت بيروت، ليلة رأس السنة، أن تقول مع نزار قباني:

أنا أُم الدنيا.

فعلى مسافة عشرات الأمتار من مدرسة الشرائع، كانت مدرسة الحياة تفرح وتبتهج لتقول للعالم:

نحن علَّمنا الحَرفَ للعالم، ونحن علَّمنا الشرائع للعالم ونحن نعلِّم الفرح للعالم.

بيروت ست الدنيا، تبرَّجت منتصف ليل 31 كانون الأول 2017 – 1 كانون الثاني 2018، ارتدت أجمل ما عندها، لبست إسوارة العروس وفتحت قلبها وذراعيها لكلِّ مَن قصدها ليفرح معها.

بسرعة قياسية خلعت شحوب ما تخلل السنة الفائتة من توترات… أزالت الحواجز الحديدية، وقالت للناس:

تعالوا إليَّ.

لم يعترضها سوء حالة جوية، لم تخشَ هطول الأمطار، قالت للناس:

اغتسلوا بأمطار قلب بيروت فتدخلوا السنة الجديدة بقلوب بيضاء نظيفة… أمطرت السماء، اغتسل الناس بالمياه وهُم ينشدون فرحة الانتقال من سنة إلى سنة جديدة.  

هذه هي بيروت التي نعرفها، هذه هي بيروت التي يتذكرها اللبنانيون، هذه هي بيروت التي يريدها اللبنانيون أن تبقى في ذاكرتهم.

بيروت ليست خطوط التماس.

بيروت ليست الدمار والخراب.

بيروت ليست الفراغ.

بيروت الساحة المليونية لانتفاضة الإستقلال.

وبيروت الساحة المليونية لانتفاضة الفرح.

 

ما حصل منتصف ليل رأس السنة في ساحة النجمة في بيروت جعل من العاصمة نجمة الفرح. ناشطو مواقع التواصل الإجتماعي جعلوا بيروت تنافس باريس ولندن وسيدني وروما وموسكو، فكان سحر الألوان يختلط بسحر الموسيقى والأغاني، وكانت إطلالة لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي تحدث إلى الحشود المحتفلة وعايدها بكلمات مقتضبة، فأكد أنَّ بيروت لا تموت وأنها تنبض بالحياة والشباب وأنَّ هذه هي بيروت التي كان يريدها الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

 

كثيرون ممن كانوا في ساحة النجمة وممن حضروا الإحتفالات فيها عبر شاشات التلفزة، تمنّوا لو أنَّ هذا المشهد يستمر ولا يزول:

هكذا يريدون بيروت.

ولكن هل تتيح لهم السياسة أن يستمروا في ترف الفرح؟

لقد أصبح الفرح والسياسة في لبنان خطَّان لا يلتقيان، فبين فرح بيروت وغصَّة السياسة أين يقف اللبناني؟

اللبناني منحازٌ إلى الفرح لأنَّه يعرف أنَّ السياسة تأكل منه ولا تعطيه، فيما الفرح يعوِّض عليه ما يخسره.

 

أعطونا الفرح وخذوا السياسة، الفرح متنفَّس، السياسة غصَّة. الفرح أوكسيجين، السياسة تخنق.

حبذا لو أنَّ فرحة بيروت تدوم، فهي وحدها التي تضع غصَّة السياسة عند حدِّها.

 

حبذا…