قبل نحو 10 سنوات، في وسط بيروت، وُلد أحد أشهر الهتافات السياسيّة: «أصفر أخضر ليموني، بدنا نسقّط الحكومة». الأصفر لون راية حزب الله، الأخضر لون راية حركة أمل، أما الليموني (البرتقالي) فلون راية التيّار الوطني الحُرّ. اجتمعوا، ومعهم بعض الألوان الزاهية الأخرى، لإسقاط الحكومة الزرقاء. حكومة فؤاد السنيورة. الأزرق لون راية تيّار المستقبل.
الأصفر شيعي، الأخضر شيعي، أما الليموني فمسيحي. كان الشارع الشيعي، آنذاك، يطير فرحاً، ودهشة، بأن «الليموني» إلى جانبه. «الليمونيّون» أيضاً عاشوا شيئاً مِن تلك الفرحة الممزوجة بالدهشة. نصبحوا خيمهم في ساحة واحدة. كانوا يتفحّصون وجوه بعضهم بعضا. بعض «الليمونيين» علقوا في أعناقهم سيف الإمام علي، وبعض الصُفر والخُضر راحوا يتفاءلون بأيقونة العذراء. أحد الخُضر علّقها في سيارته. لم تَعرف بعض ساحات الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، قبل ذلك، ارتفاع شجرات عيد الميلاد المزيّنة، أما الآن فسنراها قد أصبحت «عاديّة».
لو سار «الأخضر»
بعون رئيساً لكنا على الأغلب سنرى الضاحية ترقص إبتهاجاً
الآن، بعد 10 سنوات، الأصفر لا يزال مع الليموني، أما الأخضر فقد نأى بنفسه. الأخضر لا يُحبّ الليموني. لم يَعد يحبّه (هل أحبّه يوماً؟). الفرحة الشيعيّة الآن، بالعهد الجديد، بوصول الرئيس «الليموني» الذي دعمه تحديداً، غير مكتملة. الأصفر، وقد أصبح معروفاً للجميع، لا يُغامر بحليفه الأخضر. تماسك «البيت الشيعي» أولى أولوياته. بعد موقف نبيه بري الرافض لوصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهوريّة، لن يكون بمقدور أحد القول إن الشيعة فرحون بمجملهم، إذ يقتصر الأمر على شارع حزب الله وحده. لا مجال للحديث عن أقليّة وأكثريّة داخل هذه البيئة. أهلها، قبل غيرهم، يعرفون ذلك. بيئة حزب الله الشيعيّة تعاني اليوم كبتاً في مشاعرها الرئاسيّة. الفرحة مكبوتة. كيف كانت ستُترجم هذه الفرحة لو سار الأخضر بها؟ كنت سترى الضاحية ترقص ابتهاجاً. كانت صور عون سترتفع على نحو غير مسبوق في مناطق «المقاومة».
كلّ هذا لن يَحصل كما كان يُتوقّع. أنصار حزب الله، في الأماكن العامة، حيث يفترضون وجود أنصار حركة أمل، فإنّك تجدهم يختارون عباراتهم بدقّة وعناية. هذا عين وذاك عين. تحصل أحياناً صدامات كلاميّة بين أنصار الأصفر وأنصار الأخضر، حصل هذا خلال الشهور الأخيرة الماضية، على خلفيّة الملف الرئاسي، لكن الأمر لم يتطوّر أكثر. الشارع الأخضر أكثر حدّة في كلامه هذه الأيّام. الشارع الأصفر يُداري. حزب الله أورث شارعه هذه السياسة التي عُرِف بها مِن لحظة دخوله اللعبة السياسيّة في لبنان. على ناسه أن يتحلّوا بـ»الحكمة» دائماً. ورطة أخرى وقع فيها شارع الحزب، عندما أصبح خصم عون الرئاسي، في الحقبة الأخيرة، هو زعيم زغرتا سليمان فرنجيّة. هو حليفهم أيضاً. لون رايته فستقي داكن. أقرب إلى الأخضر. وبالفعل، أخضر أمل وقف إلى جانبه. الكلّ حلفاء للشارع الأصفر، الأخضر عين، والليموني عين، والفستقي عين. مسكين مناصر حزب الله هذه الأيام، عليه أن يُداري كلّ «مرج العيون» هذا. عموماً، مسألة وقت، وقت فقط، ويُعاد مزج ألوان قوس القزح اللبناني مرّة أخرى… وإن بشكل مختلف، وربّما غير متوقّع. يَحصل هذا دائماً. هذه هي السياسة.