Site icon IMLebanon

صرخة القضاء

 

 

تردّدتُ كثيرًا قبل إتّخاذ قراري بأن أتناول القضاء اليوم في مقالتي، وآلمني أكثر ما يُردّده السياسيون عن تدخّلات مفضوحة في القضاء، لا تُحصى ولا تُعدّ.

 

يوم إنتسَبْتُ إلى كُلّية الحقوق في ريعان الشباب، آمَنْتُ بشدّةٍ أنّ القانون يعلو ولا يُعلى عليه، وأنّ القضاء حصانةُ كلّ مظلومٍ وكلّ بريء.

 

غير أنّ الأيّام علّمتنا، أن ليس كل ما نؤمن به سيتحقّق، وليس القضاء كما تصوّرنا على الإطلاق.

 

أكثر ما آلمني، مؤتمر صحافي لأحد الرّجالات المُناهضين للعهد، حيث جاهر بعدم ثقته بعدالة مفقودة ومُغيّبة. حتى أنّه أطلق إتّهامات مُشينة بحقّ أحزاب ورؤساء أحزاب، عازيًا إليهم التدخّل بالقضاء وتطويعه.

 

يُطالعنا الدستور وفي مقدّمته، تحديدًا في الفقرة «ج»، أنّ لبنان يقوم على العدالة والمساواة وإحقاق الحق. كذلك الفقرة «هـ» من مقدّمته، تتكلّم عن أنّ النظام اللبناني قائم على مبدأ الفصل بين السُلطات وتوازنها وتعاونها.

 

وأيضًا، نصّت المادة /20/ من الدستور، أنّ السُلطة القضائية تتولاّها المحاكم، وهي سُلطة مُستقلّة تمامًا عن السُلطة المشترعة والسُلطة الإجرائية.

 

مما يُفيد، أنّه وعملاً بأحكام الفقرة «هـ» من مقدّمة الدستور، وسندًا لنصّ المادة /20/ منه، فإنّ السُلطة القضائية (السُلطة الثالثة) هي سُلطة مُستقلّة، ومفصولة دستورًا عن السلطتين المشترعة والإجرائية.

 

لكن في الواقع، أنّ قانون القضاء العدلي، الصادر بالمرسوم الإشتراعي الرقم 150 /1983 تاريخ 16/9/1983 (الصادر بالجريدة الرسميّة الرقم/45/ تاريخ 10/11/1983) نصّ وفي المادة الثانية منه، أنّ مجلس القضاء الأعلى يتألّف من عشرة أعضاء، ثلاثة أعضاء حُكميّون، وآخرون مُنتخبون، وأعضاء مُعيّنون بمرسوم بناءً على إقتراح وزير العدل لمدّة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد، على أن يكون في الإمكان إعادة تعيينهم، بعد إنقضاء ولاية كاملة على إنتهاء ولايتهم.

 

كذلك نصّت المادة الخامسة من القانون نفسه، أنّ التشكيلات القضائية يجب أن يطّلع عليها وزير العدل، بحيث لا تُصبح نافذة إلاّ بعد موافقته. وتصدُر بمرسوم بناءً على إقتراحه.

 

بالتالي، عن أي إستقلالية للقضاء نتكلّم، ما دام مجلس القضاء الأعلى تعيَّن السلطة الاجرائية جزءاً من أعضائه؟.

 

عن أي إستقلالية نتكلّم، ما دامت التشكيلات والمُناقلات القضائية، يجب أن تتِّم تحت إشراف السُلطة الإجرائية وبعد موافقتها وبناءً لإقتراحها؟.

اليوم نفهم لماذا المُطالبة بإستقلالية القضاء؟.

اليوم نفهم سبب عرقلة التشكيلات القضائية؟.

 

فالواضح أنّ السُلطة السياسية ترفُض رفع يدها عن القضاء، وستسعى جاهدةً لعدم إبصار مشروع قانون إستقلالية القضاء النور.

رِهانُنا اليوم ثُلاثي الأضلُع:

– رِهانُنا الأول على سعادة نقيب مُحامي بيروت الدكتور ملحم خَلَفْ المحترم، لكي يكون الرافعة لإطلاق سراح هذا القانون.

– رِهانُنا الثاني على الرئيس الأول القاضي سُهيل عبّود المحترم، المشهود له بنظافة كفّه وجدارته.

– ورِهانُنا الثالث على معالي وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم المحترمة، لما تتمتّع به من مصداقية وإحترام.

نقولها عَلَنًا، أهل السياسة لن يسمحوا بأن تُرفع يدُهم عن القضاء.

فالرّهان على الثُلاثي الذهبي في إنقاذ القضاء وتحريره.

آلمني أن أسْمع من أحد الزعماء السياسيين، أنّ حزبًا مُعارضًا له في السياسة، يُسخّر القضاء خدمةً لمآربه.

 

لكن ما يُؤلم أكثر من ذلك، عدم مبادرة القضاء الى إتّخاذ أي إجراء أم موقف، حيال هذا الإتّهام بالتآمر والإنحياز.

 

وإلى السادة القُضاة نقول، أنتم أعمدة الهيكل، أنتم «إمرأة قيصر» فالرّهان ليس فقط على الثلاثي الذهبي، إنّما الرّهان عليكم، فلا تسمحوا لأحد أن يتدخّل معكم، أو أن يُملي عليكم مشيئته. فأنتم لستُم قضاة العهد (كما وصفكم أحد الوزراء) إنما قضاة لبنان، قضاة الشعب اللبناني، تُمثّلونه، وتحكمون بإسمه، ولذلك تُزيّنون أحكامكم «بإسم الشعب اللبناني».

فإن كُنتم أقوياء، فَلَنْ يقوى عليكم أحد.

وإن كُنتم غير ذلك، فعلى القضاء السلام.