– لا غرو أن ما نشاهده اليوم على الساحة السياسية من أمورٍ عجائبية وردّات فعلٍ غرائبية تجعلُنا في حيرة تضعُنا أمام سؤالٍ واحدٍ «هل نحنُ في دولة القانون؟!».
بالفعل إنَّ الواقع القضائي اليوم يمر بمأساةٍ أقوى من مأساة (فيدر)، ولا عجب إن قلتُ ونحنُ الإعلام المكتوب نعاني من فهمٍ خاطىءٍ لمقاييس العدالة والعدل في لبنان.
– القضاء قال كلمته في التشكيلات القضائية وعلى مدى أسابيع مضنية ظهّر هذه التشكيلات وفق معايير أهل البيت الأدرى في شعابه والأعلم في صوابه والأخبر في رجاله.
بيد ان هذا الأمر لم يَرُقْ لوزيرة العدل فانكبّت تدرس هذه التشكيلات لتضع ملاحظات (أسمتها معايير) كي تقيّد يد القضاء عن إصدار تشكيلاته وفقاً لما يرتئيه!.
وبدوره، مجلس القضاء إطّلع على هذه الملاحظات وأصدر قراره بالإجماع مصراً على تلك التشكيلات وفق قناعاته كسلطة مستقلة في الدستور، عملاً بالمادة (عشرين) منه.
ووفق مد وجزر، وتقسيمٍ وتجزئةٍ، ودفاع وعدل ومالية ورئاسة مجلس الوزراء دارت التشكيلات في غياهب التشكيكات والتصريحات والإعادة ووضع الأمور بإطارها المطلوب بالنسبة للقضاء العسكري، عادت وسلكت هذه التشكيلات طريقها في درب الجلجلة الى ان وقّعت من قبل رئيس الحكومة وصعدت الى القصر الجمهوري كي تختم بتوقيع فخامة رئيس الجمهورية.
– وفجأة ظهر الناطق الرسمي باسم القصر، الوزير السابق (سليم جريصاتي) ليقول وبالفم الملآن إن المظاهر الاحتفالية التي اعتمدها الأمين العام لمجلس الوزراء لم تكن موفقة وعكست صورةَ سلبيةً على تلك التشكيلات آخذاً على الأمين العام تصرّفه المُستغرب!…
فلرئيس الجمهورية الحق في رد مرسوم القانون الى مجلس النواب، لإعادة النظر فيه لمرّة واحدة فقط، كما يحق له رد القرار المتخذ في مجلس الوزراء، لإعادة النظر فيه أيضاً، كما حصل في قضية سلعاتا، مع التأكيد على عدم أحقيته في رد أي مرسوم خارج هاتين الحالتين المذكورتين.
– وبدلاً من أن توقع هذه التشكيلات من قبل فخامته تكريساً لمبدأ استقلالية القضاء فوجىء الجميع بتصرّفٍ جديد لم يُعرف سابقاً وإذا ما كرس نكون أمام عرفٍ دستوري ليغيّر من طبيعة النظام اللبناني الذي هو نظامٍ (ديموقراطي – برلماني) الى نظامٍ أشبه (بالنظام الرئاسي) المعمول به في بعض البلدان العربية الأجنبية.
إذ لا يحق لرئيس الجمهورية أن يرد هذا المرسوم، لأنّ هذه التشكيلات ملزمة عملاً بالمادة الخامسة من قانون تنظيم القضاء العدلي.
لم يوقّع فخامة الرئيس هذه التشكيلات بل اتخذ موقفاً مماثلاً لموقف وزيرة العدل (copy past) فوضع ذات الملاحظات (أسماها معايير) وأعاد التشكيلات الى رئاسة مجلس الوزراء من خلال كتاب موقّع من مدير عام القصر الجمهوري.
– أين نحن؟! هل نحن في لبنان أم في طاجكستان أم في بلاد العجائب والغرائب لنشاهد فيلماً دستورياً بعنوان (لا لإستقلالية القضاء) وكأنه كُتب على القضاء اللبناني ان يبقى رهينة للهوى السياسي وأذواق الساسة.
– وهنا أتوجّه للرأي العام أن يعوا خطورة هذه المرحلة، وأتوجّه للسلطة القضائية أن يكتبوا في سجلهم الذهبي للتاريخ وللجغرافيا: لا لكسر هيبة القضاء أمام كبرياء امرأةٍ تهوى المناكفة، وأمام منحى دستوري يغيّر معالم النظام اللبناني.
– وبكلمةٍ أخيرة، أتوجّه الى دولة رئيس مجلس النواب (رئيس السلطة التشريعية) الأستاذ نبيه بري وهو القانوني اللامع والعلامة في الفقه الدستوري أن يطّلع بدوره على محدثات الأمور وتغيير المفاهيم، وتبديل قواعد اللعبة الدستورية كي لا نترحّم على دستور الطائف.