IMLebanon

القضاء يفتح مغارة الاتصالات… والجراح يتحدّى

 

لم تتأثر لجنة الإعلام والاتصالات في مجلس النواب بالزوبعة السياسية التي أحدثتها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، واختارت المُضيّ حتى النهاية في فضيحة وزارة الاتصالات وتجاوزات وزيرها جمال الجراح. وفي سابقة من نوعها في تاريخ البرلمان، تقوم لجنة نيابية بتحويل محاضرها إلى مادة قضائية، عبر جمع محاضرها في ملف ادّعاء يطال وزيراً حالياً.

 

فقد كشف رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله، في مؤتمر صحافي أمس، «أننا سلمنا محضر الجلسة السابقة للجنة الى النيابة العامة المالية، وأصبح في عُهدتها ليبنى على المعطيات الرسمية التي قدمت في الجلسة». ويتناول المحضر ملف شركة «جي دي أس» التي منحها الجرّاح امتياز تمديد شبكة الألياف الضوئية (فايبر أوبتيك)، بما يمنحها القدرة على تحقيق أرباح طائلة كان في مقدور هيئة أوجيرو أن تُبقيها في خزينة الدولة. ويتضمن الملف النقاشات بشأن حصول « جي دي أس» على تجهيزات من «أوجيرو»، وحول قرارات إدارية صادرة عن وزارة الاتصالات تسهّل للشركة العمل على حساب أوجيرو. وبحسب فضل الله، هذه المعطيات قدّمها للجنة النواب سامر سعادة وعباس هاشم وياسين جابر. كذلك يتناول الملف «التلزيمات المرتبطة بشبكتي الخلوي» وفق فضل الله، الذي أشار إلى أن المحضر يتضمن «ملف تلزيمات تصل إلى 200 مليون دولار. والمشكلة هنا هي في التفاوت في أسعار التلزيمات بين شركة وأخرى، والفرق هو 20 مليون دولار.

 

 

القاضي إبراهيم سيستمع اليوم، وللمرة الثالثة، إلى إفادة كريدية

 

وهذا التفاوت مفترض أن تبتّه النيابة العامة المالية لترى إن كان هناك هدر أو لا».

وبحسب مصادر اللجنة «يتحدث المحضر عمّا قاله النائب سعادة عن تجهيزات نقلت من هيئة أوجيرو لصالح شركة جي دي أس»، بسبب «عدم توافر هذه الأجهزة لديها، تحديداً تلك المطلوبة لتمديد شبكة الفايبر». وتقول المصادر إن «سبب توفير هذه الأجهزة للشركة المذكورة، هو أنها بحاجة إلى ما لا يقلّ عن ستّة أشهر لاستيرادها من الخارج، أو حتّى تأمينها من السوق المحليّة». ولكسب الوقت، «أصرّ الوزير الجراح على تأمين المعدات من أوجيرو لمساعدة الشركة للسيطرة على السوق، لأنها في حال انتظرت إلى حين تأمين التجهيزات، فستكون هيئة أوجيرو قد نفّذت جزءاً من المشروع». وبالتالي، فإن السؤال المطروح هنا «على أيّ أساس نضع تجهيزات الدولة في حوزة شركة خاصة، ووفق أيّ معايير مالية وإدارية؟». وكان سعادة قد أكد في الجلسة الأخيرة أنه «ليس هناك أي مشكلة شخصية، فأنا أملك معطيات ومن واجبي تقديمها، وفي حال دعاني النائب العام المالي فسأحضر أمامه للتحدث عن المعطيات التي أملكها». أما الملف الآخر الذي تحدّث عنه فضل الله، فكان قد تحدّث عنه النائب جابر الذي أكد «وجود هدر كبير في الأموال، نتيجة الفوضى في الشراكة بين القطاعين العام والخاص». وأكد عدد من النواب المطّلعين على جلسات اللجنة أن «قانون الشراكة الذي أقرّ في مجلس النواب منذ فترة وُجد لتثبيت أصول هذه الشراكة، لكن ما يحصل اليوم يؤكّد غياب الشفافية التامة في هذا الملف»، لا سيما في ما يتعلق «بتلزيم الوزير 450 محطة تقوية لبثّ الهاتف الخلوي التابع لواحدة من الشركتين المشغلتين بمبلغ 89 مليون دولار، فيما لم تتجاوز كلفة مشروع شبكة الجيل الرابع كله 84 مليون دولار في الشركة الثانية».

واستكمالاً لفصول هذا الملف، أجرى المدعي العام المالي أمس، القاضي علي إبراهيم، ورشة تحقيقات مع موظفين في «أوجيرو»، للاستماع إلى شهاداتهم. وعلمت «الأخبار» أن المديرين الذين تمّ الاستماع إلى إفاداتهم حول موضوع الـ«جي دي أس» هم مدير الشبكات وعضو مجلس الإدارة هادي بو فرحات، وعماد أبو راشد مدير إدارة الموارد، وفؤاد ضومط رئيس مصلحة دروس الشبكات في مديرية الإنشاء والتجهيز في وزارة الاتصالات، وعماد معتوق، وهو متعاقد واستشاري في الهيئة. وتمّ استدعاء هؤلاء بحسب مصادر في «أوجيرو» لأنهم معنيون بموضوع مدّ شبكة الألياف الضوئية، وتنفيذ أوامر مديرية الأشغال وشراء المواد المتخصصة لهذا المشروع بجوانبها الثلاثة: ربط السنترالات والمؤسسات التجارية والمصارف والإدارات الرسمية، من ضمنها إنجاز مشروع كاميرات المراقبة في مدينة بيروت، وتقوية سنترالات القرى والمناطق النائية بخزائن هاتفية كبيرة توضع على الطرقات لتقوية الإنترنت، وثالثاً، والأهم، مشروع وصل شبكة الألياف الضوئية إلى منازل المواطنين، وقد أنجزت الفرق الفنية أعمالها وصار بإمكان المواطنين الحصول على الخدمة. وتقول المصادر إن «هدف الاستدعاء يأتي ضمن توجّه القاضي إبراهيم لمتابعة ملف «جي دي أس»، بعد أن سمح رئيس مجلس النواب نبيه برّي له بتسلّم محاضر جلسة لجنة الاتصال.

القاضي إبراهيم، في اتصال مع «الأخبار»، أكد الأمر، وأشار إلى أنه «سيستمع اليوم، وللمرة الثالثة، إلى المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية»، مشيراً إلى أنه «لا يستطيع إلزام الوزير الجراح قانونياً بتقديم شهادته». وفيما لفت إلى أن «شهادات الموظفين تدور في حلقة مفرغة، خصوصاً أنهم موظفون وكانوا ينفذون المطلوب منهم»، قال إن «هناك إجراءات قانونية متاحة يُمكن الرجوع اليها في حال أصرّ الجراح على موقفه» الرافض للمثول أمام القضاء لتوضيح التهم التي وجّهها لكريدية في كتاب صادر عنه بتاريخ 25 تشرين الاول 2017 (وجّه الجراح لكريدية اتهامات بمخالفة القوانين وهدر المال العام وتنفيذ الأعمال لأهداف شخصية).

وقد خرج الوزير الجراح أمس للردّ على النائب فضل الله، مُطالباً إياه بـ«إبراز أيّ مستند أو إثبات أو وثيقة تؤكّد ادّعاءات اللجنة». غير أن الجراح رُبما تغافل عن وجود مستند موقّع بخط يده، وهو عقد بالتراضي مع شركة «هواوي» بقيمة 90 مليون دولار لتطوير شبكة الجيل الثالث، حيث وقّع على الكتاب رقم 4849/1/M الصادر يوم 3 تشرين الثاني الجاري، والذي يتضمّن الموافقة على صرف مبلغ بقيمة 89.9 مليون دولار أميركي لمصلحة شركة «تاتش»، لتنفيذ خطّة «تطوير شبكة الجيل الثالث»، والتعاقد مع شركة «هواوي» للقيام بالمشروع.