IMLebanon

«نكسة» 6 حزيران: كيف لاحت الفتنة وماذا كشف فهمي؟

 

 

اذا كان تاريخ 5 حزيران قد أصبح بالنسبة إلى العرب مرادفاً للنكسة بعد هزيمتهم في حرب 1967، فإنّ 6 حزيران كاد أن يتحول إلى نكسة حقيقية للبنان الذي نجا من خطر فتنتين: طائفية ومذهبية.

على الرغم من أهمية المطالب المعيشية والاصلاحية التي تزداد إلحاحاً مع تفاقم الازمات الداخلية، الّا انّ تحرّك 6 حزيران الاحتجاجي خرج عن مساره المفترض وسبح خارج «جاذبية» انتفاضة 17 تشرين بعدما اختلط حابل القضايا المطلبية المشتركة بنابل الطروحات السياسية الخلافية.

 

منظّمو التحرك يتهمون معارضيه بأنهم سعوا إلى إفشاله من خلال استنهاض العصبيات الطائفية والمذهبية وافتعال صدامات جانبية على قاعدة التلويح بالفتنة في مقابل مطلب تسليم السلاح، بينما يعتبر المعترضون على تظاهرة السبت انّ رفع شعار نزع سلاح المقاومة المتماهي مع أجندات خارجية هو الذي استدرج عروض الفتنة واستفزّ الجمهور الداعم للمقاومة.

 

لكن، وبمعزل عن الاتهامات المتبادلة، فإنّ اللافت هو أنّ التظاهرة أفضَت عملياً إلى إخراج مطلب نزع سلاح «حزب الله» من التداول، بعدما أعلن حزبا الكتائب و«القوات اللبنانية» عن وجوب إعطاء الاولوية في الحراك الشعبي للمسائل المشتركة بين اللبنانيين، ما أدى الى إفراغ الشعار الخلافي الذي رفعه بعض المتظاهرين حول تسليم السلاح وتطبيق القرار 1559 من اي وزن سياسي او تأثير حقيقي.

 

وعلى وقع ما جرى في الشارع امس الأول، تلفت اوساط سياسية الى انّ 6 حزيران لا يشبه 17 تشرين، للعوامل الآتية:

 

– ضآلة الحضور بالمقارنة مع الزحف البشري الهائل في 17 تشرين، بحيث انّ تحرك 6 حزيران بَدا غير قادر على استقطاب الجزء الاكبر من المواطنين العاديين.

– مقاطعة مجموعات أساسية وحيوية كانت تشكّل عصباً لانتفاضة 17 تشرين ومدداً معنوياً وفكرياً لها، ساهَم في إثراء تجربتها.

– تبعثر الشعارات وانقسام المتظاهرين بين من يعطي الاولوية للمطالب المعيشية والاصلاحية وبين من ينادي بنزع سلاح «حزب الله» تنفيذ القرار 1559، في حين انّ خطاب انتفاضة 17 تشرين كان خالياً الى حد كبير من المواد السياسية المتفجرة.

 

– خطورة الانقسام الحاد بين جمهور ساحة الشهداء وعين الرمانة من جهة وجمهور خندق الغميق والشياح من جهة أخرى، ما هدّد بنَبش القبور القديمة وفتح قبور جديدة، بينما يُسجل لانتفاضة 17 تشرين، خصوصاً عند انطلاقة شرارتها في الأيام الأولى، أنها نجحت في تذويب جزء كبير من الشوارع المتعارضة ضمن وعاء واحد، قبل أن تخضع في مراحل لاحقة الى نوع من الضَم والفرز.

– تحرّك 6 حزيران غلب عليه طابع التعليب السياسي والتصنيف المسبق، فيما انتفاضة 17 تشرين ولا سيما في بداياتها، كانت تلقائية وانسيابية.

 

الّا انّ المتحمّسين لتظاهرة السبت يصرّون على انها نجحت في محاكاة تجربة تشرين واستنهاض الهمم بعد الجمود الذي فرضه الحجر المنزلي الاضطراري، والأهم في رأيهم انها تمكّنت من إيصال رسالة واضحة الى السلطة بأنّ ينابيع الانتفاضة الشعبية لم تجف بعد وانّ حكومة الرئيس حسان دياب أخفقت في اختبار إثبات الاستقلالية واكتساب ثقة الناس، وأنّ الضغط سيتواصل بأنماط مختلفة، وانّ الانفجار الكبير آت ما لم يتم استباقه بتغيير جذري في مقاربة الأمور، وصولاً إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة تعيد تكوين السلطة.

 

وزير الداخلية

 

على الجانب الآخر من الصورة، أوحى سلوك القوى العسكرية والامنية على الأرض بأنّ تغييرات حصلت في تكتيك التعامل مع المتظاهرين، بناء على الدروس المُستقاة من المرحلة السابقة.

 

وعُلم انّ الأجهزة المختصة انكَبّت بإشراف وزير الداخلية العميد محمد فهمي على تجميع المعلومات منذ الدعوة إلى التحرك ثم جرى تحليلها والتخطيط على أساسها، حيث كانت التوقعات بأن تكون الأعداد قليلة وإنما مخترقة.

 

وقد تمّ وضع خطة مدروسة ومحكمة، هدفت الى الابقاء على زمام المبادرة في حوزة القوى الأمنية خلال مجريات التظاهر، وأخذت في الحسبان كل الاحتمالات، من أدناها إلى اخطرها، فيما أبلغ فهمي الى «الجمهورية» انه كانت توجد لدينا مؤشرات أولية الى إمكان دخول طابور خامس على خط التظاهر لإحداث فتنة، وهذا ما حصل، مؤكداً انّ القوى الامنية مُمسكة بالأرض جيداً وهي على أتَمّ الجهوزية لتحمّل مسؤولياتها في حماية السلم الاهلي، ومشيداً في هذا المجال بالتعاون والتكامل بين الجيش والامن الداخلي.

 

ويوضح فهمي انّ الوضع تحت السيطرة على الرغم من مظاهر التوتر والاحتقان التي رافقت تظاهرة السبت، مؤكداً انه من غير المسموح إحداث أي فتنة طائفية او مذهبية مهما كلف الأمر.

 

وأشار فهمي الى انه على قناعة بأنّ بعض الأحداث والهتافات التي سجلت امس الأول كانت مفتعلة ومخططاً لها عن سابق تصور وتصميم، كاشفاً انّ هناك موقوفين والتحقيقات مستمرة لمعرفة ملابسات ما جرى.

 

وأمل فهمي في أن يتم تحويل التهديد بالفوضى الى فرصة للتلاقي، ملاحظاً انه بينما كان المقصود عبر التصرفات المشبوهة والمريبة استدراج اللبنانيين الى وَحل الفتنة أتّى الإجماع الوطني على رفض السلوك المذهبي المُسيء والتحريضي ليعزل المصطادين في الماء العكر ويعيد الاعتبار الى الوحدة الوطنية حول قواسم مشتركة، وفي طليعتها رفض الانزلاق مجدداً الى مستنقع النزاع الأهلي ومنع تحويل الاختلاف السياسي الى اقتتال داخلي.

 

وكان لافتاً انّ فهمي تَعمّد عشيّة تظاهرة 6 حزيران زيارة غرفة العمليات في وزارة الدفاع، ومن ثم اصطحاب الوزيرة زينة عكر الى ثكنة الحلو لإعطاء إشارة الى انّ هناك قراراً سياسياً بتفعيل التنسيق بين الجيش والأمن الداخلي.

 

وفهمي الذي خدم لسنوات طويلة في صفوف الجيش شعر بالحنين خلال تواجده لبعض الوقت في اليرزة، فما كان منه إلّا أن سأل عكر مُمازحاً في السيارة التي كانت تقلّهما الى ثكنة الحلو: بتقبَلي نِتبادل المواقع، فآخذ أنا الدفاع وأنت الداخلية؟