Site icon IMLebanon

عن حادثة الكحالة وخسارة الجميع فيها.. موقف عون أضمن لـ”حزب الله” من موقف سليمان في 2006

 

لم تكن حادثة الكحالة لتودي بالسلم الأهلي مثلما تخوف كثيرون كما في كل محطة دموية على طريق الإستقرار الأهلي اللبناني الهش.

ليست ظروف استعادة الحرب الأهلية قائمة اليوم وليس هناك من يريدها من اللاعبين الكبار داخلياً وخارجياً. لكن حادثة مثل تلك وسط الظروف التي يعيشها لبنان من شأنها ان تختزل كل ظروف الصراع القائم اليوم في البلاد كما في عين الرمانة قبل نحو عامين وغيرها.

الواقع ان الجميع خرج خاسراً في ما حدث والذي بدأ بسيطا بانقلاب شاحنة سلاح لـ”حزب الله” في طريق خطرة، وانتظار ساعات شابه دعسات ناقصة من الحزب والجيش حتى تطور الى اشتباك مسلح حاول بعض القوى استثماره في الصراع الدائر.

كان يمكن للحزب فوراً أن يترك الساحة للجيش لتأمين خروج الشاحنة. كان ذلك قبل الهجوم على الشاحنة من قبل البعض، بالحجارة أولا ثم بالنار. وكان يمكن للجيش ان لا يترك ذاك المكان الضيق بعد الاتصلات من الحزب. لو تحقق ذلك كان يمكن تطويق الأمر.

سوء التقدير الثالث ارتكبه الأهالي الذي هاجموا سائقي الشاحنة ووجهوا سهامهم ايضا الى عناصر الجيش اللبناني. الغريب في الأمر هنا أن غضب الأهالي جاء بالتوازي مع سلوك بعض أركان المعارضة مثل “الكتائب” و”القوات اللبنانية” وغيرهما مع محاولة استثمار سوء تقدير الموقف.

تشكل هذه السقطة الطائفية ربما النقطة السلبية الاولى لأركان المعارضة منذ مراجعتهم الكبرى لواقع حال الانقسام في لبنان واصطفافهم في وجه المنظومة لا سيما منذ انتفاضة 17 تشرين 2019، وبينهم من سبق الى انتفاضة النفايات العام 2015.

في الحادثة أيضا يمكن تلمّس واقع الفراغ في العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي سقط قياديون منه هو الآخر في الفخ المنصوب.

إذ لو كانت تلك العلاقة سوية لكان التيار تمكن من تطويق قدر الامكان ذيول ما حدث، على رغم ان الطرفين شرعا في حوار شائك في قضاياها الكبرى قبل أسابيع، لكن من دون نتيجة عملية حتى الآن. فالتيار يروج بأن الحزب تلقف طروحاته بإيجابية كاللامركزية المالية الموسعة وبرنامج رئيس الجمهورية، وليس بعد بالنسبة الى الصندوق السيادي، بينما تخرج أجواء حليف الحزب، الرئيس نبيه بري، بخلاصات أخرى لا تشير الى أي خرق في موضوع رئاسة الجمهورية لا بل تنتقد الحوار الجاري بين الحزب والتيار في الأصول.

في كل الأحوال خرج الجميع خاسراً والمهم استخلاص العبر فلم يعد من مجال لعبث الوقت الضائع للاتفاق على الخروج من الأزمة القائمة وأولى خطوات تسويتها الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية من خارج اصطفاف الممانعة والمعارضة.

في خطوته حماية شحنة السلاح وربما تسليمها بعد ذلك الى الحزب، عزز قائد الجيش جوزيف عون من ثقة “حزب الله” به، وخرج “حاميا لظهر المقاومة”. جلبت تلك الخطوة انتقادات المعارضة له، لكن رأس حربة المعارضة حزب “القوات اللبنانية” عاد وليّن من موقفه في اليوم التالي للحادثة وتلمس ظروفا تخفيفية لعون من دون إخفاء امتعاضه، وعلى حد قول قيادي قواتي “نحن نتفهم حراجة موقف قائد الجيش منذ اللحظات الأولى للحادثة”.

يعود البعض الى الماضي حين أوقف الجيش بعهدة ميشال سليمان في آب العام 2006 شحنة سلاح للحزب الذي رغم ذلك وافق بعدها على وصول سليمان إلى سدة الرئاسة. ويقارن بين موقف سليمان وعون لجهة ضمانة عون الحالية للحزب.

على أن المهم اليوم في ما هو آت واستخلاص العبر. فـ”حزب الله” يريد التمهيد لتسوية على الرئاسة كان أبرز تجلياتها الحديث الأخير لرئيس كتلة “الوفء للمقاومة” محمد رعد حين فتح (ليست المرة الأولى) الباب للتسوية مع قوله “هناك الكثير من الأشخاص لم نضع عليهم “فيتو” لأننا نريد التسويات”.

لا يستطيع الحزب اليوم الذهاب أبعد من ذلك، وإذا كان هذا لا يكفي كون الظروف ليس مؤاتية لتسوية قريبة حتى مع القدوم المقبل للمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان في أيلول المقبل، إلا ان من شانه تحقيق خرق نوعي في الجمود الرئاسي القاتل على صعيد العلاقة مع المعارضة اللبنانية. فالحزب لا يريد رئيسا بغالبية نيابية بسيطة حتى لو تحقق، والمعارضة لا تستطيع أصلا ايصال ذلك الرئيس الذي لن يحكم إطلاقاً.

لكن من شأن النقطة الوسطى تلك أن تُبرد نوعاً ما الأجواء في مرحلة شراء طويلة للوقت إذ لا يبدو في الأفق أن ثمة رئيسا خلال العام الحالي.