صادمة تلك الأرقام التي يتداولها الكتائبيون في ما بينهم حول نتائج الانتخابات النيابية. عيونُهم لا تكاد تصدّق ما كشفته صناديقُ الاقتراع عن حواصل مرشّحيهم من الأصوات التفضيلية، وهم الذين كانوا يعتقدون أنّ رصيدَهم من المحازبين والمؤيّدين يكفيهم لانتشال مرشّحيهم من الغرق الحتمي. وإذ بهم «على كل لسان».
أن لا يحصل مثلاً مرشح الحزب في دائرة بعبدا على أكثر من 250 صوتاً حزبيّاً من أصل 6000 صوت حزبي ومؤيّد، أو أن لا يحصل مرشح الحزب في دائرة زحلة على أكثر من 200 صوت حزبي من أصل 4000 من المؤيّدين والمحازبين… فتلك كارثة.
يذهب أحد الكتائبيين في مقاربته للأزمة الى حدّ وصفها بالإنهيار الكامل. أسماء رؤساء الأقسام الذين تجنّدوا في ماكينات الخصوم، يتناقلها «الرفاق» بلا قفازات أو خشية على مصيرهم، مستشارون روّجوا لمرشحين من لوائح منافسة، قياديون اقترعوا «نكاية» بالحزبيين، ومفاتيحُ أُغريت بالمال وأخرى بالنفوذ…
رواياتٌ لعلّها تبرّر وتفسّر التراجعَ الدراماتيكي في حضور الكتائب، بدءاً من معقله في المتن وصولاً الى آخر بيوته الحزبية، أملت على رئيس الحزب النائب سامي الجميل عقدَ خلوة للمكتب السياسي، اعتقد أنّه سيختمها ببيانٍ تفجيريٍّ صادمٍ ينسف به المكتب السياسي، ليس من باب المعالجة أو وضع الحزب على سكة المعالجة، ولكن للهروب إلى الأمام.
أكثر من ثماني ساعات أمضاها أعضاءُ المكتب السياسي ليلَ الإثنين في نقاشات، على طريقة الدوران في حلقة مفرغة، تحوّلت في كثير من الأحيان مواجهاتٍ بين رئيس الحزب وجناحه المؤيّد من المكتب السياسي من جهة، ومعارضيه والمعترضين على أدائه من جهة أخرى، ما دفع الجميل الى الدعوة الى استكمالها بعد ظهر أمس.
استُهلّت الخلوة وفق المعلومات بمداخلة قدّمها رئيس الحزب دامت أكثرَ من ساعة، أنهاها بخلاصة مفادها: «الحقّ على الناس». المفاجأة كانت في تولّي مستشاره فؤاد أبو ناضر جبهة الهجوم، ورفض الخلاصة داعياً الى البحث في الأسباب الحقيقية التي أدّت الى هذه الكارثة.
هنا تدخّل الوزير السابق سليم الصايغ داعياً رئيسَ الحزب إلى إعلان قراراته، و»أن يمضي». هكذا طلب النائب نديم الجميل الكلام سائلاً إذا كانت هناك قراراتٌ جاهزة فما هو الجدوى إذاً من الخلوة؟
بدوره اعترض الأمين العام رفيق غانم على سيناريو القرارات المحضرّة سلفاً وكأنّ المطلوب البصم «على العمياني»، واشتكى من تجاوز صلاحيّاته وبأنّ هدفَ الخلوة هو إزاحته مع بعض أعضاء المكتب السياسي. وبعدما أعاد سيرج داغر تحميلَ الناس مسؤولية الخسارة، أسوة بكلام رئيس الحزب، عاد غانم وتحدّث ليؤكّدَ أنّ الحزبَ مسؤولٌ عن خسارته، فيما اعتبر مستشارُ رئيس الحزب ساسين ساسين أنّ هناك حاجةً الى مكتب سياسي يشكّل قيمةً مضافة.
هنا عاد سامي الجميل الى الكلام ليشير الى أنّه لم يطّلع على القرارات لكنه لم ينفِ وجودَها، لافتاً الى أنّها في حاجة الى مزيد من الدرس والنقاش، واقترح في المقابل إنشاءَ مكتب خدمات علّه.. يسدّ نقصَ الاستقطاب السياسي!
هكذا انتهت الليلة من دون القبض على «المجرم». الجميع متفقون على أنّ «الجريمة» واقعة، لكنّ البحثَ عن «المرتكب» أو «المرتكبين» أدخل الكتائبيين في متاهة الاتّهامات والاتّهامات المضادة. الاقتناع راسخ لدى شريحة كبيرة من أعضاء المكتب السياسي، خصوصاً غير المحسوبين مباشرة على رئيس الحزب، في أنّ التخبّط يصيب سامي الجميل ويجعله متردّداً، لكنه أقرب الى فكرة تفجير المكتب السياسي، لأنها سبيله الوحيد الى تجاوز أزمته، لا حلّها، من خلال الدعوة الى انتخاباتٍ مبكرة يقرّرها المؤتمرُ العام والذي يُفترض إنعقادُه السنة المقبلة، لكنه قد يشجّع على عقده في الصيف.
الأسماء «المغضوب عليها»، سواءٌ بسبب علاقتها بالرئيس أمين الجميل (المُبعد نهائياً عن الحزب) أو لكونها من «تركة» الشهيد بيار الجميل أو لأنها من «الحرس العتيق» أو معارِضة لرئيس الحزب، صارت معروفة: رفيق غانم، غابي سمعان، منير الديك، عايدا ابو جودة، عبدالله ريشا، شادي معربس، فرج كرباج، سعدالله عردو، ندى ماروني… وفي طبيعة الحال مَن صاروا نواباً سابقين.
هو لم يُخفِ طرحَه خلال اجتماع المكتب السياسي الأسبوع الماضي، لكنه لا يزال يخشى من تداعايته خصوصاً أنّ أجواءَ الخلوة كانت أكثر من «مكهربة». صحيحٌ أنّ الأمر يحتاج الى قرار يتّخذه المكتب السياسي، لكنه يملك الأكثرية في هذا المكتب، وبمقدوره الدفع في هذا الاتّجاه في أيِّ لحظة.
حتى اللحظة لم يوجّه الجميل تهمة التقصير لأيِّ مسؤول، حتى خطوة مسؤول الماكينة المركزية باتريك ريشا في وضع استقالته بتصرّف المكتب السياسي، لم تُصرَف. الكلامُ الشفوي لم يُلحق بأيّ خطوة عملية، وبقي كلاماً في الهواء.
فيما اللقاءاتُ التي عقدها الصايغ مع رؤساء الأقاليم بعد استدعائهم الى الصيفي، في حضور أبو ناضر أحياناً، بحثت عن أسباب التشققات والانقاسمات العمودية في الأقاليم، ولم تفضِ إلى أيِّ خلاصة عملية.
وقد انتهت الجولة الثانية أمس والتي لم تختلف في نقاشاتها عن نقاشات ليلة الاثنين، بالطلب من رئيس الحزب وضع تصور يحدد فيه مسؤوليات الفشل، على أن يناقش يوم الجمعة المقبلة في اجتماع ثالث للمكتب السياسي ، قبل اتخاذ القرار النهائي يوم الاثنين المقبل.