صحيحة كانت الرواية أم غير صحيحة، مقتل باسكال سليمان جريمة سياسية بامتياز. هذا ليس رداً على طرف أو تأييداً لطرف آخر بل لأنها لا تخرج عن سياق الاغتيالات المتواصلة منذ بداية الحرب الأهلية. هذا بصرف النظر عن جنسية المجرمين وعن الدوافع. فمقتله كان يمكن أن يؤدي إلى تفجير فتنة حدها الأدنى جولة جديدة من تخريب الوحدة الوطنية.
كل عملية قتل خارج المواجهات العسكرية، بالاغتيال أو بالمفخخات أو بالقصف العشوائي الذي راج وتعمم في الحرب الأهلية، يمكن تصنيفها في باب الفتنة، لأنها تفتح باب التأويل على مصراعيه، والتأويل سلاح لا يسهل ضبطه مهما بلغت حكمة الحكماء.
الحرب الأهلية هي تخريب بالجملة والاغتيالات وأعمال القتل تخريب بالمفرق. وفي كل الحالات التنوع هو المستهدف. الأغلبيات تمارس استبدادها على الأقليات بهدف إلغائها لتثبيت حكم الحزب الواحد. أهم ظاهرتين أسفرت عنهما عملية التخريب هذه، انكماش الأحزاب العلمانية وتراجعها وانحسارها لصالح التنظيمات الطائفية. التركيب الديمغرافي تدحرج حتى صار المسيحيون أقلية في لبنان. من 54 إلى 30 بالمئة، ولم تتوقف المخاوف رغم أنّ رفيق الحريري أعلن وقف العد، بل ازدادت بعد الذي حصل في كل من العراق وسوريا.
في الحالتين لم تكن الضحية بريئة من المسؤولية عما حل بها. الأحزاب العلمانية لم تؤمن بالديمقراطية ولا كانت أقل استبداداً من الإسلام السياسي. الجيش الجزائري واجه الإسلاميين الساعين إلى إلغاء الديمقراطية بقوله، أنا أولى منكم بإلغائها. المسيحيون لم يقعوا ضحية التعصب الإسلامي وحده بل والمسيحي أيضاً، وأخطاء المارونية السياسية ما زالت تتناسل جيلاً من جيل.
مقتل باسكال سليمان ينكأ كل جراح الحرب. أجل. حتى لو كان القتلة من النازحين، فالمجرم ليس مجرماً لأنه سوري الجنسية بل لأن العلاقة بين اللبناني والسوري «قلوب مليانة، مش رمانة» لسببين، الأول نهج أرساه النظام السوري في الاغتيال أو في تشريع المعابر غير الشرعية منذ بداية الاستقلال حتى إذكاء نار الحرب الأهلية، وينال دعماً وتأييداً من بعض رموز أهل الممانعة المجتمعين في سفارة النظام، ولا ضمانة في إن يتم التعبير دوماً عن غضب القلوب الملأى ضد أخطاء النظام وخطاياه بطرق دبلوماسية.
الثاني أنّ حلفاء النظام السوري في لبنان وأدواته الصغيرة أيضاً وعملاءه يستكملون عدم اعترافه بلبنان دولة مستقلة ذات سيادة ومشروعه التدميري الذي استهدف تخريب مؤسسات الدولة وإعادة تشكيل السلطة فيه على طريقة أنظمة الاستبداد التي يسود فيها حكم الحزب الواحد. لذلك يبدو طبيعياً الربط بين أعمال القتل المريبة التي يرتكبها مجهولون أو معلومون وبين تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية.
لقد بات كل شيء مكشوفاً ومفضوحاً وضاقت أبواب التملص من الاستحقات الدستورية والتذرع بظروف تقهر رغبة اللبنانيين في الخروج من حالة الحرب وفي انتخاب رئيس للجمهورية ليشكل انتخابه مدخلاً لوضع قطار الحلول على السكة الصحيحة.