IMLebanon

المملكة

كان لا بدّ لكل هذا الزخم والاندفاع، وهذه الحيوية الفتية الولاّدة للرؤى والأفكار من الوصول الى نقطة ارتكاز ثابتة، تمكّن صاحبها (أكثر) من إكمال الطريق.

وليّ العهد السعودي الجديد الأمير محمد بن سلمان، سبق عصره (أصلاً).. اختصر المسافات، وكثّف حراك التغيير لمواكبة أحوال هذا الزمن ومتطلباته وسرعته، وتحوّل مرتكزاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يطال الطاقة ومشتقاتها وصناعة التكنولوجيا الحديثة والتصنيع المدني والعسكري، وانفتاح العولمة على وسعها باعتبارها تتويجاً لسيادة (وحرية) نظام السوق بعد انهيار البنى الفكرية والنظامية المضادة لها، ووصول تجاربها الى زاوية مقفلة تماماً.

الجذر التأسيسي لصاحب «رؤية السعودية – 2030» ينطلق (على ما افترض) من الضرورة القصوى لملاقاة عالم جديد ومتغيّر (ولا يرحم) برؤى جديدة متلائمة معه ومع ضروراته. وذلك عنى ويعني المباشرة بخطة جريئة، ومدروسة بدقّة، لنقل الدولة من حال الى حال. ولتوسيع وتطوير وتحديث بناها بدءاً من النقطة المحورية فيها، أي تقليص الاعتماد الكلي على الطاقة ومشتقاتها من جهة، وعلى «الاقتصاد الديني» (إذا صحّ التعبير) من جهة ثانية.

وهذا مسار أكثر من كونه قراراً.. طويل وصعب لكن ليس مستحيلاً. بل واقع الحال، الذي فاجأ بالمعنى الإيجابي، معظم المتابعين من خارج المملكة للخطوات التي خطاها الأمير محمد بن سلمان، هو الزخم والإصرار اللذَين ميّزا تلك الخطوات والإجراءات المصاحبة، ثمَّ تقبّل (وتلقّف) المجتمع السعودي لها برغم بعض الملاحظات المتعلقة بارتفاع بدائل القطاعات الخدماتية.

والإنطلاقة الناجحة توصل الى خواتيم ناجحة. وهذه بديهة حسابية لا تحتمل الكثير من الجدل (ولا القليل!): لو لم تكن الأفكار والمقترحات والخطط والإجراءات (التكتية والاستراتيجية) التي باشرها الأمير الشاب، مبنيّة على حقائق وأرقام ودراسات علمية (تماماً) لما مشت خطوتين فقط على طريق الوصول الى العام 2030. ولظهرت أعطابها منذ اللحظات الأولى لها. ولكانت خضعت (من خارج سياقات البهرجة) لتقريظ «علمي» لا بد منه! لكن الذي حصل كان العكس، وتبيّن ويتبيّن وسيتبيّن أكثر، أن الاستناد الى العلم والواقع على حقيقته، لا يخيّب الرجاء. وإنّ المزج الخلاّق بين الحداثة والتراث.. وضرورات العولمة وصيانة القيم المتراكمة والموروثة والهويّاتية، هو مزج ممكن وناجح، عدا عن ضرورته الحتمية. (اليابان مثال صاخب. وماليزيا ومعظم نمور آسيا أمثلة يُعتدّ بها).

أهمية الرؤى والأفكار التي طرحها الأمير محمد بن سلمان تكمن في كونها مستقاة من الواقع السعودي وليست مستوردة من خارجه.. منطلقة منه وليس نازلة بالباراشوت فوقه. متلائمة مع حقائقه وليست نسخاً لشروط ووصفات ومبادئ جاهزة ومرصوفة في كتب المؤسسات والمراكز والصناديق الاقتصادية والمالية الدولية!

وهذا جانب من جوانب التغيير الحاصل ولا يختزله. بل الواضح، أن التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجه العرب والمسلمين في هذه المرحلة، وأكثر من أي مرحلة أخرى، استدعت وتستدعي مقاربة سعودية متوثّبة وحازمة وحاسمة وشديدة الوضوح. وهو في كل حال ما اعتمدته قيادة المملكة إزاء المعطى الإرهابي، وإزاء محاولات المسّ باستقرارها الأهلي، أو التطاول على قيمها ودورها وحضورها ووزنها وتاريخها، وما سيصار الى الاستمرار فيه.

ومرة أخرى، تخيب تمنّيات و«تحليلات» وقراءات وتوهّمات المتربصين شراً بالمملكة واستقرارها. ويتأكد بالملموس، أن ذلك الاستقرار أمتن وأكثر ثباتاً من أن يُمسّ بالضيم. وإن أرض الحرَمين الشريفَين، موئل النبوّة ومهبط الوحي وحاضنة البيت العتيق، مرعية بألطاف رب العالمين، ومحمية بأهلها وقيادتها الحكيمة. وإنها كانت وستبقى ديار سلام وإكرام ونبل خصال.. وشوكة في عيون الحاقدين والحاسدين والمتآمرين والواهمين.